روسيا عادت للشرق الأوسط ولن تخرج منه مرة أخرى. الدب الروسى الوريث الأقوى للإمبراطورية السوفيتية المنهارة فى نهاية الثمانينيات تعلم الدرس واستفاد من أخطاء الماضى ليعود أكثر قوة دبلوماسيا وعسكريا. الحسابات الروسية منذ صعود فلاديمير بوتين إلى الحكم كانت دقيقة، الزعيم القوى الذى اعتلى منصب الرئاسة الروسية، أعاد الهيبة للدولة الأكبر فى سنوات حكمه الأولى، ثم كرئيس وزراء فى فترة رئاسة ميدفيديف.
روسيا القوية استفادت من أخطاء الفيل الأمريكى المترهل والمرتبك خاصة فى السنوات الثمانية الأخيرة منذ صعود أوباما للإدارة الأمريكية. وانتصرت فى جميع المعارك التى خاضتها أو فرضت عليها دبلوماسيا وعسكريا ضد التحالف الأوروبى بالرعاية الأمريكية وآخرها أوكرانيا.
بوتين الآن فى نظر استطلاعات الرأى العالمية هى الزعيم الأقوى فى العالم و«الثعلب» والداهية السياسية فى مقابل «القرد» الأمريكى الذى فشل فى مواجهاته السياسية وأخفق فى معاركه العسكرية منذ أفغانستان وحتى العراق، ولم يجد أمامه سوى إشعال المنطقة بالفوضى الخلاقة لتفكيك الدولة الوطنية والقضاء على الجيوش العربية القوية فى الشرق الأوسط بداية من العراق وسوريا مرورا باليمن وليبيا، وكان من المفترض مصر -الجائزة الكبرى- لكن مصر استعصت، ومازالت، على الفوضى، بالاستعانة بأدوات تيارات الإسلام السياسى الإرهابية وتحت مسميات مختلفة وكأنها لم تتعلم من درس «المجاهدين الأفغان» و«القاعدة» أو كأنها تحاول تكرار التاريخ مرة أخرى بصورة مسخ بالإخوان وبداعش، ودعمهما وتوفير الرعاية والحماية لها، وجذب عناصر من دول الاتحاد السوفيتى السابق وتدريبها وضمها إلى صفوف «داعش» وإعدادها للعودة مرة أخرى إلى حدود روسيا والحرب بالوكالة ضد موسكو على الطريقة الشيشانية، مع إشعال نيران الفتنة الطائفية والمذهبية فى المنطقة بالطبع، وتشكيل تحالف سنى فى مواجهة التحالف الشيعى ولتبتلع الدول الكبرى فى المنطقة للطعم الأمريكى.
بوتين فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فضح اللعبة وأطرافها، ووجه اتهاماته المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية برعاية الإرهاب فى المنطقة، وواشنطن غير جادة فى القضاء على داعش بل ترك الفرصة للتنظيمات الإرهابية للتمدد والتوسع والسيطرة، وروسيا جاءت بطائراتها وقواتها لحماية أمنها القومى قبل أن يكون دفاعا عن سوريا، وتدخلت فى المعارك الآن بطلب من دمشق، ومن العبث أن تعتبر واشنطن التدخل الروسى «إرهابا»، ويزيد من تعقيد المشكلة، على أساس أن الغارات الأمريكية وتحالفها يدخل فى نطاق التدخل الشرعى ويسعى لحل المشكلة.
بغض النظر عن الموقف من التدخل الروسى، فالمنطقة الآن مستباحة، والخاسر الأكبر هو الدول العربية التى تدير صراعاتها بحسبة طائفية وعصبية وشخصية..!