بعد أقل من نصف شهر شهدنا اليوم بداية نقر طبول المعركة بين النمنم والسلفيين، فقد نشر اليوم السابع من يومين تصريحات نارية لوزير الثقافة يؤكد فيها أن مهمته كوزير هى تعزيز قيم الانتماء للهوية المصرية وأنه لن يسمح لأى محاولة تهدد هذا النظام، وسيتصدى لمن ينادى بإقامة دولة الخلافة، لأنه إذا سمح لهم برفع هذه الشعارات، ستكون خيانة للقسم الذى أقسمه. مؤكدا أن الإسلاميين أطاحوا بثقافتنا ونجحوا فى أن يعزلونا عن العالم، وأنهم أسسوا ما يمكن أن نسميه بـ "البوتيكات الدينية" التى تحرم وتحلل كما تشاء. موضحا أن مصر تخلصت من الإخوان فى 30 يونيو، لكن يتبقى لها والسلفيين المتشددين، قائلا أن من ضمن مهامه كوزير أن يحرر مصر من السلفيين، وما هى إلا ساعات حتى أتبع هذه التصريحات بتصريحات أخرى فى ذات السياق قائلا أن مصر دولة علمانية بالفطرة، وأن طوال تاريخ مصر لم تقم دولة دينية، وهى التصريحات التى أثارت استياء السلفيين الذين هاجموه ببيان منسوب إلى حزب النور اعترضوا فيه على تصريحات الوزير ووقالوا إنها مخالفة للدستور وأن "مصر إسلامية" ولم يكتفوا بذلك وإنما حملوا تهديدا مستترا له قائلين إنه سيرحل بعلمانيته وستبقى مصر "إسلامية"
صحيح أن القضية التى نحن بصددها غاية فى الأهمية، لأن سؤال الهوية لابد أن يسبق أى أسئلة أخرى إذا ما أردنا أن نغير الواقع الثقافى والتركيبية الوجدانية للشعب المصري، لكن لنا هنا أن نتساءل عن جدوى طرح مثل هذه القضايا فى ظل عدم اتضاح مشروع الدولة التحديثي، وفى ظل حالة الشوق إلى خوض المعارك المجانية التى تنتاب العديد من الأطياف السياسية وخاصة تيار الإسلام السياسى وعلى رأسه الآن "حزب النور" الذى أراد تأجيج هذه المعركة رغبة منه فى أن يكسب أرضا جديدة بعد أن لفظته الجماهير وكشفت تلاعبه بها.
هنا يجب أن نسأل: لماذا تنتاب الإسلاميين حالة من الهياج والهستيريا كلما سمعوا كلمة علمانية، فى حين أنهم يعرفون جيدا أنهم هم الذين شوهوا هذه الكلمة عبر افتراءاتهم المتكررة، وأنهم هم الذين صنعوا من هذه الكلمة "بعبعا" ليرهبوا به المسلمين من كل حركة تحديثية تريد أن تنتقص من سلطانهم، تماما مثلما اخترعت جداتنا قصص "أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة" لكى تخيف الأطفال وترهبهم من الخروج من المنزل فاختار السلفيون مصطلحا غير مفهوم بالنسبة للكثيرين والصقوا به العديد من الاتهامات الفارغة، فى حين أن العلمانية فى الأساس تتفق تماما مع مبادئ الشريعة الإسلامية كما تتفق مع جميع المبادئ الإنسانية، وإذا ما أمعنا النظر سنكتشف أن الإسلام دين علمانى فى الاساس يعلى من شأن العلم ويطيح بسلطة الكهنوت ولا يفرق بين رجال الدين ورجال الدولة عند الله، ولا يدمج بينهما فى الأرض.
يبقى أن نقول أن هذه القضية تحتاج إلى مناقشة هادئة، وإلى وعى جمعى مستقر، وإلى البدء فى تنمية الوعى الوطنى والتاريخي، فكما يقول حزب النور فإن مصر "إسلامية" بالطبع، كما أنها عربية وقبطية وفرعونية وعالمية، بالدرجة ذاتها، ولا أتخيل أن مهمة القيادة السياسية الآن هى تأجيج الصراع بين مصر و "مصر" وإنما إيجاد صيغة للاستيعاب الحضارى لكل مفردات الشخصية المصرية، لا نبتغى فى ذلك غير وجه الوطن.
موضوعات متعلقة..
- بعد هجوم السلفيين على حلمى النمنم لوصفه مصر بالعلمانية.. مثقفون:السلفيون قادمون من العصور الوسطى..حجازى:مصر لازم تبقى علمانية..والكفراوى:عقولهم ثابتة والعالم متغير..ومحمود قرنى:فكرهم ضد الدولة الحديثة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة