كانت السعادة وأجواء الفرح والسرور تخيم على سماء العاصمة اليهودية، الكل فى سعادة وسمو وفرح لم يشهدها المجتمع الإسرائيلى حتى منذ إعلان قيام دولتهم عام 1948.. الجاليات اليهودية فى الدول الأوروبية تنظم حفلات راقصة احتفاء بالنصر.. حملات للتبرع بالدم لمصابى الجيش الإسرائيلى المنتصرين فى حرب يونيو 1967.
انتهت حرب يونيو 1967 أو حرب الأيام الستة كما يحلو للإسرائيليين أن يسموها، لكن عندليب الصحافة محمود عوض رأى فى كتابه الذى صدر بعد وفاته "اليوم السابع – الحرب المستحيلة – حرب الاستنزاف"، كملايين المصريين الفدائيين أن الحرب لم تنتهِ بعد، ورأى أن يومها السابع "حرب الاستنزاف"، هو الأهم والفيصل فى الحرب بل إنه المقدمة لنصر عظيم ستشهده مصر والعالم أجمع.
بدأت حرب الاستنزاف "اليوم السابع" بعد حرب 5 يونيو 1967، حيث كانت تسود الشارع المصرى والعربى حالة من الغليان والدافع للانتقام والرغبة فى عدم إنهاء الحرب بهذه النتيجة، حتى كانت المواجهة الأولى حينما حاولت القوات الإسرائيلية الاستيلاء على "رأس العش"، إلا أن القوات المصرية تصدت لها بكل قوة رغم ضعفها بعد الحرب، واستطاعت تدمير 3 دبابات وقتل عدد من الجنوب الإسرائيليين.
ساعد فى ذلك أن القيادة المصرية كانت قد أخذت على عاتقها تجاوز مرحلة النكسة، وبدأت فى إعادة بناء القوات المسلحة، وإعادة الثقة للجنود فى أنفسهم وفى قادتهم، إعادة الضبط والربط، إعادة تدريب القوات، تنظيم الوحدات، ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ .
ومن أهم عمليات حرب الاستنزاف أيضا كانت تدمير المدمرة إيلات فى 21 أكتوبر من نفس عام النكسة، حينما اقتربت المدمرة من المياه الإقليمية المصرية، فى تحد وعربدة ومحاولة لاستفزاز مشاعر القوات المصرية، مستغلة قوة الردع المتمثلة لديها فى تفوقها الجوى ومدفعيتها الرابضة على الضفة الشرقية للقناة، واعتقادا من قيادات الجيش الإسرائيلى عدم قدرة القوات المصرية على منعها، إلا أن القوات المصرية تمكنت من تدمير "إيلات" باثنين من زوارق الصواريخ، وكان عليها طاقمها الذى يتكون مما يقرب من 100 فرد بالإضافة إلى دفعة من طلبة الكلية البحرية كانت على ظهرها فى رحلة تدريبية.
لم تكن إسرائيل والولايات المتحدة يعتقدان أن حرب الاستنزاف هذه ستكون مقدمة حقيقية وهامة لنصر أكتوبر العظيم، بل اعتبروها حلاوة روح للرئيس عبد الناصر بعد نكسة 1967، غير أنها أفسدت خطتهم لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
وعن أهداف حرب الاستنزاف يقول عوض فى كتابه "لقد كان المقاتلون فى تلك "الحرب المستحيلة" يقاتلون من أجل الضفة الغربية والجولان وحقوق الشعب الفلسطينى، وكانوا يعلنون ذلك صراحة لكل من يعنيه الأمر، وقد كان هذا هو جوهر المشكلة من بدايتها"، مؤكدا فى كتابه أن سيناء كانت معروضة على مصر رسميا بغير أى قتال ولا قيود، منذ الثانى من نوفمبر سنة 1968.
وفى رد بشع على خسائر حرب الاستنزاف لدى العدو الإسرائيلى، هاجم العدو أهدافا مدنية داخل مصر بسبب ضعف الدفاعات الجوية المصرية أبشعها مجزرة بحر البقر التى قصف فيها العدو مدرسة ابتدائية وأدت تلك العمليات الجوية الاسرائيلية إلى دفع مصر لإنشاء سلاح للدفاع الجوى كقوة مستقلة فى عام 1968 وتبعه إنشاء حائط الصواريخ الشهير بالاعتماد الكلى على الصواريخ السوفيتية سام، وقد حمى كل السماء المصرية وأضعف التفوق الجوى الإسرائيلى.
استمرت حرب الاستنزاف أو كما أطلق عليها الإسرائيليون حرب الألف يوم، على ضفتى قناة السويس، حتى 7 أغسطس عام 1970، حينما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والملك حسين ملك الأردن قبول مبادرة "روجرز" التى أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار، وسادت حالة من اللاسلم واللاحرب فى المنطة، والتى كانت نواة إلى نشوب حرب أكتوبر، ويؤكد عوض فى كتابه أن قبول عبد الناصر للمبادرة كان بمثابة هدنة استعداداً للمعركة الكبرى ضد إسرائيل.
لم ولن أستطيع أن أفى رجال اليوم السابع حقهم.. ولم لن أستطيع الاستفاضة والكتابة عن تلك الحرب التى مهدت لنصر أكتوبر، فلم يسعفنى الحظ لأكون ضمن رجال الحرب المستحيلة، كما أننى لم أكن ممن عاصروا هذه الحقبة الهامة فى تاريخ مصر، ولا حتى حقبة نصر أكتوبر لكننى وكغيرى من أبناء جيلى، نحاول أن نعرف شيئا عن جهد وبسالة أجدادنا علنا نستفيد من تجاربهم وولائهم وانتمائهم لمصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة