حرب مصالح ونفوذ فى سوريا، ولا يمكن توقع شكل الأحداث، واحتمالات توسع الصدام إلى حرب واسعة، أو تفاهمات تضمن اقتسام النفوذ والمصالح.. التحرك الروسى يبدو محسوبًا حتى الآن، لكنه يصطدم بالمصالح الأمريكية والأوروبية وأيضًا التركية، لكنه يستقطب إيران كشريك فى الحرب ضد داعش، ومساندة بشار الأسد.
المصالح تعلو على العقائد، إيران المسلمة مع روسيا، فيما تقف تركيا على النقيض.. نظريًا فإن كلًا من أمريكا وروسيا توجهان ضربات إلى داعش، وبعض التنظيمات المسلحة، لكن أمريكا تبدى غضبًا وخوفًا من أن الضربات الروسية تتجه إلى المعارضة الأمريكية فى سوريا أكثر من الإرهابيين، فيما ترد روسيا بأنها تضرب المسلحين من خارج سوريا، وتسعى لطردهم، لكن الموقف المعلن لدى أمريكا وروسيا تجاه سوريا يختلف، فالأمريكان يتهمون الروس بتجاوز داعش، وقصف حلفاء أمريكا من المعارضة المعتدلة، وهو ما دفع وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف للقول: إذا كانت أمريكا تعرف أماكن المعارضة السورية المعتدلة فلتدلنا عليها إن كان لهم وجود، وهى تصريحات أثارت تفسيرات متضاربة عما إذا كان لافروف يتجاهلها، أو يشكك فى وجودها، استنادًا إلى اعتراف أمريكى بأن من تم تدريبهم من مقاتلى المعارضة سلموا سلاحهم للقاعدة، ممثلًا فى النصرة.
تركيا تبدو الطرف الأكثر قلقًا وتأثرًا، فقد ظلت اللاعب الرئيسى، والوكيل الحصرى لأمريكا وأوروبا فى سوريا، واستفادت من وجود داعش والنصرة لتحجيم الأكراد، والحصول على البترول، فضلًا على اختراق التنظيمات الإرهابية باعتبار تركيا ممرًا، وأردوغان يلعب دورًا مزدوجًا، فهو حليف لداعش من جهة، وشريك لأمريكا فى ضرب داعش من جهة أخرى.
وهو دور يفسده التدخل الروسى العلنى.. أردوغان يعلم أن بوتين يساند الأسد منذ البداية، والتدخل الأخير كاشف وليس منشئًا، لكنه كاشف للدور التركى المزدوج، لهذا قال أردوغان إن روسيا بتورطها فى سوريا ترتكب خطأ كبيرًا، ثم اعترض على اختراق المجال الجوى لبلاده بطائرات روسية.. موسكو ردت بإشارة إلى أن أردوغان «متورط بالحرب فى سوريا منذ سنوات»، فعاد للقول إن أى اعتداء تتعرض له تركيا بمثابة اعتداء على حلف «الناتو»، وتركيا ليست عضوًا بالحلف حتى الآن، لكنها ذات وضع مميز وتحتضن قواعده العسكرية.
عاد أردوغان ليدخل إلى روسيا من باب المصالح وقال إن بلاده تستطيع أن تحصل على الغاز الطبيعى من أماكن أخرى غير روسيا، وإن دولاً أخرى قد تبنى المحطة النووية الأولى لتركيا.. أردوغان يذكّر الروس بأن تركيا أكبر مستهلك للغاز الطبيعى الروسى.. إيران هى الأخرى يمكن أن تنقل العطاء نحو روسيا فى مشروعاتها النووية، أو الغاز الطبيعى.
لعبة المصالح تتفاعل، وربما تغير من شكل التحالفات، حربًا أو تفاهمًا، فهى لعبة «شد المصالح» وليست مجرد «شد حبل».