1 - الراقصة والطبال وراقصون كُثر
تزدحم الشوارع فى مصر المحروسة بلافتات تكفى لكى تصنع ملابس داخلية وخارجية لفقراء مصر لعقود، وكلها تمسى وتصبح وتعد بكل الخير والنهضة والشرف لأبناء الدايرة، وأحفاد الدايرة، وأقارب الدايرة وهكذا، وقد تعلم المصريون منذ زمن طويل أنه لا شىء من هذا يتحقق، فلا أبناء الدايرة ولا أحفادهم ولا حتى كلابهم يرى سيادة النائب بعد أن يكون نائبًا، وكم عبرت السينما عن صورة نائب مجلس الشعب بأشكال مختلفة ساخرة، ولكن فى النهاية كلها تصب فى معنى واحد «بحبكم وبعد الانتخابات ولا عايز أشوف وشكم»، ولكن الجديد والمثير فى هذه الانتخابات أن يجتمع اسم أحمد عز، ليس الممثل طبعًا، مع سما المصرى، فالاثنان عنوان مشترك فى الصحف، فالعنوانين تقول منع «عز» وسما المصرى من خوض الانتخابات.. ياللهول من كان يتصور فى يوم ما أن تكون «سما» و«عز» عنوانًا مشتركًا.. صحيح أنهم يقولون إن «عز» كان طبالًا قديمًا، وصحيح أن «سما» ترقص كلما أتتها الفرصة، وصحيح أيضًا أن السينما قدمت فيلمًا باسم «الراقصة والطبال»، كما قدمت فيلمًا بعنوان «الراقصة والسياسى»، وأن «عز» ياما رقص ورقّص مصر- بتشديد القاف- ولكن أن يأتى يوم ليكون عنوانًا يجتمع مع «سما» فى الصحف، فهذا ما تعلمه لنا الأيام، ولكن للحق ليس «عز» منفردًا كان ومازال الراقص الوحيد فى مصر، أو «سما» الراقصة الوحيدة المنفردة، فالرقص فى مصر غيّة وتاريخ، وكم من لافتات معلقة فى الشوارع تحمل أسماء راقصين قدامى وجدد، وكم من رقص شاهدناه، وكم من رقص سنشاهده لأن اللى يعيش ياما يشوف.
2 - فى مصر الحياة كالطقس.. ملخبطة
ما الحياة إلا خليط من هنا وهناك، خليط من السعادة مع التعاسة، وخليط من صحة مع مرض، وخليط من أمل مع يأس، وخليط من ثراء وفقر، وقوة وضعف، واستقرار وتغيير، وشتاء وصيف.. هى حقيقة لا مراء فيها، نعرفها ولكن فى مصر صار الاختلاط أكثر من اللازم، بمعنى أن طبيعة الأمور تسير فى حالة السعادة والتعاسة.. مثلاً أن المرء يسعد لبعض الوقت حتى يتصور أن السعادة مقيمة معه، ثم يأتيه الحزن والتعاسة لبعض الوقت، فيتصور أنهما لن يفارقانه، فإذا بالأمر يتغير، وهكذا، ولكن فى حال المصريين صارت تفاصيل حياتنا مثل الطقس الذى تغير فنحن نعيش كل فصول العام أحيانًا فى يوم واحد، لأن اللى يعيش ياما يشوف.
3 - على الشاشات مش حتقدر تغمض عينيك
القاعدة الأولى التى تعلمناها فى كلية الإعلام أنه إذا عض كلب رجلاً فليس فى الأمر خبر، ولكن إذا عض رجل كلبًا فهنا يكون الخبر، أى أن الإعلام والإخبار مرتبطة بالحوادث غير العادية، فنحن ننقل ما يفعله غيرنا من العوام أو الخواص ما هو غير تقليدى، هكذا تعلمنا، ولكن لأن اللى يعيش ياما يشوف فى مصر، فبعد أن كان عمل الإعلام نقل حكاية الراجل اللى عض الكلب، أو حتى الكلب اللى عض راجل طيب، صار هو الكلب والراجل ويعضهم الإعلام، أى صار يتفنن فى أن يصبح هو ذاته خبرًا غريبًا وليس ناقلًا لخبر غريب، فتلك مذيعة تحدث العفاريت، وتلك أخرى تبوس الهواء، وهذا مذيع يصدر أصواتًا على الهواء، وآخر يقلع الجزمة ويضرب الضيف، فبدلًا من أن ينقلوا خبرًا يبحثون كيف يصيرون هم أنفسهم خبرًا.. تقلش مصر ناقصة، ولكن اللى يعيش ياما يشوف.. فى مصر.