هناك اعتقاد بأن تسرب نوعيات من النواب إلى مجلس النواب من محترفى الإفيهات أو القفشات والشتائم يمكن أن يحول مجلس النواب القادم إلى «توك شو» كبير، وكان برلمان الحزب الوطنى أو برلمان الإخوان كلاهما من أصحاب الإفيهات، غطت قفشاتهم على أداء المجلس.
وهناك ظاهرة ولدت وترعرعت مع ظهور البث المباشر لجلسات البرلمان على الهواء، ونقل مقاطع مسجلة، كانت تتضمن أكثر المشاهد إثارة ولفتا للأنظار. فى برلمان الوطنى رأينا نوابا يرفعون الأحذية، أو نائبا يطالب بضرب المواطنين بالرصاص، وكثيرا ما التقطت الكاميرات صورا لنواب نائمين أو وزراء يقزقزون اللب، أو النائب الذى كان يلعب دورا مزدوجا «وطنى ومعارضة» فى نفس الوقت.
وسواء فى البرلمان أو برامج الـ«توك شو»، يميل المشاهد إلى الاختزال ويشده الإفيه، ولهذا يحرص مذيع أو مذيعة بعض برامج الـ«توك شو» على الوصول إلى ذروة درامية من خلال «تسليط» الضيوف على بعضهم ليشتبكوا، أو يسعى للجذب من خلال برامج سحر وشعوذة.
ومع أن برلمانات الحزب الوطنى كانت تتضمن نواب الإفيهات، فقد كان برلمان 2012 واحدا من أكثر البرلمانات إثارة للضحك والسخرية، ورأينا نائبا يرفع الآذان، وآخر يرفع لافتة يستأذن فيها للذهاب إلى الحمام، وثالث يجرى عملية تصغير أنف ضمن تمثيلية أنه تعرض لهجوم وسرقة، ناهيك عن نائب الكورنيش ونائب الخرطوش إلى آخره، ولا يتذكر المواطنون أى مناقشة جادة تشريعيا أو رقابيا، ولهذا لم يحزن المواطنون على أحكام ببطلان أى من هذه المجالس التى لم يروها تعبر عنهم بقدر ما تمثل فرجة.
نقول هذا بمناسبة ظهور مرشحين أو نوابا فازوا، يركزون كلامهم على إفيهات أو اتهامات ووعود، وبعضهم يقدم «النفاق» أو يطبل، وبعضهم يظن أنه يقدم مسوغات تعيين، وكل مشروعاتهم مجرد كلام وتطبيل يخلو من الجدية، ولم يتحدث أى منهم، حتى الآن، بكلام يفهم منه أنه يدرك حجم ما ينتظر مجلس النواب من قضايا مهمة وتنتظر الحسم.
ثم إن المرحلة الثانية تضم مرشحين يتوقع نجاح بعضهم، وسط معادلة الحضور والغياب، وفى حالة نجاحهم ينتظر أن تسود ظواهر النائب «الإفيه» الذى يخوض معارك سطحية، ويحول البرلمان إلى ساحة نقاش هزلية.
وعلى العكس، فقد شهدت برلمانات الثمانينيات، بالرغم من تلاعب الحزب الوطنى، كانوا نماذج فى الجدية والمواجهة، ولا تزال تذكر مضابط مجلس الشعب مواقف لنواب مثل النائب الوفدى محمود القاضى أو كمال خالد أو ممتاز نصار أو كمال أحمد وغيرهم، وبالرغم من عددهم القليل كانت أصواتهم مسموعة ومؤثرة، ومن هنا، فالأمر ليس بقلة أو زيادة العدد، بل باختيار النائب إما أن يكون صاحب مواقف أو مجرد «نائب إفيه».