إذا كنت من سكان حى الدويقة فأنت بلا شك بلا حاضر وبلا مستقبل، الدويقة تحتل قائمة المناطق العشوائية الأكثر فقرا، تجمع آلافا من الفقراء الذين يحتل البؤس أنفسهم، لم تكن على أولويات أى حكومة من الحكومات سواء قبل ثورة يناير أو ما تلاها من حكومات متتالية، بعيدة دائما عن خطط الإصلاح لأسباب مجهولة لا يعلمها إلا المسؤولون فى تلك الدولة، الذين تركوا أطفالها عرايا بلا تعليم وبلا مسكن يؤويهم أو مصدر رزق يتكفل بنفقاتهم البسيطة، السيناريو الوحيد المرسوم لهم لن ينتج سوى قطاع طرق أو أرباب سوابق أو مدمنى مخدرات، فحقدهم المزروع بداخلهم تجاه المجتمع الذى أطاح بهم جانبا وأخرجهم من ذاكرته ودائرة اهتمامه يدفعهم إلى إخراج أسوأ ما فى داخلهم.
أسرة مكونة من 10 أشخاص تتراص أجسادهم بغرفة لا تزيد مساحتها عن 3 أمتار فقط، يتزاحمون على حمام مشترك مع الأسرة التى تجاورهم، ليس لهم وجبات طعام ثابتة حتى يحتاجوا إلى مطبخ لإعداد الطعام، مياه ملوثة تنشر الأمراض والأوبئة، منازل بلا صرف صحى تغرق مياهه الشوارع الضيقة والحارات الخانقة.
ذهبنا إلى هناك وترجلنا فى حوارى وبيوت تشبه المدافن، القمامة تحيط بالبيوت من كل مكان وبيوت يعيش أفرادها بها وهى آيلة للسقوط وآخرون اختاروا الشوارع مكانا آمنا بدلا من شققهم الآيلة للسقوط.
الحاجة قطر الندى «75 سنة» أكبر سكان الدويقة وأقدمهم تقول، إنها تعيش بمنطقة الدويقة منذ ما يقرب من 30 عاما بعدما انهار منزلها وقررت الحكومة نقلها إلى مساكن إيواء بالدويقة بشكل مؤقت لحين توفير شقق لهم وتعاقبت العشرات من الحكومات والمحافظين ومنذ ذلك الحين وهى تعيش بتلك الشقة المشتركة مع أسرة أخرى يتقاسمان الشقة بينهما، مشيرة إلى أن الشقق المشتركة مأساة للذين يعيشون بها فأنت تعيش مع أسرة لا تعرفها ونجمت عنها مشاكل كبيرة منها قد تصل لحد القتل بسبب الخلافات المستمرة بين الأسر المشتركة فى شقة واحدة.
«رمزى» أحد قاطنى مساكن الإيواء بالدويقة يقول فى أسى، إنه يعيش وزوجته فى شقة مشتركة مع أسرة أخرى، الحمام والمطبخ يشتركان فيه ويعيشان كل منهما بغرفة 5 أمتار مع أسرتين كل واحدة بها 5 أطفال، لا يستطيع أن يأخذ راحته لوجود أسرة أخرى معه، مشاكل لا تتوقف بينه وبين الأسرة التى تعيش معه بسبب الأطفال، مشيرا إلى أن كل محافظ يأتى يعدهم بتوفير شقق بديلة لهم لكن دون جدوى.
ويبدى رمزى مخاوفه من المستقبل، وخاصة على أولاده، حيث يهددهم الضياع بسبب انتشار المخدرات والبلطجية بالمنطقة، فضلا عن انتشار الأوبئة والحشرات بسبب عدم توافر المياه أو الصرف الصحى، فهناك «حنفية» واحدة فقط بالمنطقة يتزاحم عليها أهالى المنطقة.
انتقلنا إلى شارع آخر بمنطقة «التلاتات»، بيوت تشبه المدافن وآيلة للسقوط يقول «محمد» أحد سكان تلك البيوت، إن شقته آيلة للسقوط ومسؤولو الحى طلبوا منه إخلاءها، وعندما طالبهم بشقة بديلة رفضوا وجعلوه يوقع أنه المسؤول عن حياته إذا ما وقع البيت عليه وعلى أسرته.
بينما يقول «عادل» أحد قاطنى شقق الإيواء المشتركة، إن هناك 73 أسرة تعيش بشقق مشتركة، وإن الدولة كانت قد نقلتهم منذ عام 80 عندما انهار منزلهم، على أساس أن ذلك بشكل مؤقت، وحتى الآن نعيش بتلك الشقق التى أصبح العيش فيها مستحيلا وتجلب المشاجرات دائما بين الأسرتين اللذين يعيشان معا ويتقاسمان الحمام والمطبخ وكل أسرة بغرفة، مطالبا المسؤولين والحكومة بالنظر لهؤلاء الذين يعيشون فى تلك الإيواءات التى تشجع على ارتكاب القتل والاغتصاب وتنتج جيلا من الأطفال تعلم كيف يمسك فى يده «السكين» لحماية نفسه وأسرته من البلطجية واللصوص.
ترجلنا إلى شوارع أخرى ووجدنا منزلا تكسوه «القمامة»، حيث يقول صاحبه، إنه أصيب وأولاده بالأمراض بسبب أن القمامة تحيطه من كل جانب مما أدى إلى انتشار الحشرات والأوبئة فشقته تشبه «صندوق القمامة» من كثرة القمامة التى تحيط ببيته، وأثناء ترجلنا شاهدنا مجموعة من الأطفال فى وصلة رقص على أغنية «مفيش صاحب» يرقصون بالخناجر والسكاكين فى فرح بمهارة تؤكد أنها ليست المرة الأولى التى يمسكون فيها السكاكين رغم صغر سنهم، اقتربنا منهم وبسؤالهم عن كيف تعلموا «مسكة السكين» والرقص بها قالوا، إن السكين والمطواه والخنجر أشياء عادية بالنسبة لهم لانتشارها بين أبناء المنطقة وإنهم تعلموا الرقص بالمطاوى والسكين من الأفلام السينمائية ويعشقون أغانى المهرجانات.
انتقلنا إلى حارة غارقة بيوتها فى مياه غير معروف مصدرها، حيث يقول «أحمد جابر» صاحب إحدى الشقق، إنه فوجئ بالمياه تغرق شقته وعندما حضر موظفا مياه الشرب قالوا لنا، إنها مياه مختلطة وليست مياه شرب وعندما عاينها موظفو شركة الصرف الصحى قالوا إنها مياه شرب وغير ملوثة، مشيرا إلى أن نائب المحافظ جاء إلى المكان وشاهد البيوت التى تحولت إلى برك من المياه وكل ما فعله أنه طالبهم بإخلاء الشقق على أن يعوضهم بحصول كل صاحب شقة على «300 جنيه» للعيش فى شقة بديلة.
وأضاف «أحمد»: كيف يستطيع أن يجد مسكنا له وأسرته بـ300 جنيه التى حددها له نائب المحافظ بسبب فشلهم فى معرفة مصدر تلك المياه التى تهدد سكان تلك البيوت.
«هبة» أحد سكان منطقة الدويقة تقول، إنها تنتظر الموت كل لحظة مثلما حدث فى كارثة انهيار الدويقة عام 2008، وإن المسؤولين يتبادلون المسؤولية فيما بينهم دون مراعاة للمأساة التى نعيشها، مشيرة إلى أنه حتى الآن لا يعرف المسؤولون سبب ومصدر هذه المياه التى أغرقت البيوت وشردتنا فى الشارع، مشيرة إلى أن كل ما فعله مسؤولو المحافظة هو إحضار «جهاز» لشفط المياه على أن يتولى السكان تعبئته بالبنزين لشفط المياه من شققهم، حيث تنفق كل شقة 30 جنيها يوميا لشراء البنزين للجهاز، مضيفة أنه بالرغم من ذلك ما زالت المياه تتدفق وتتسرب بكثرة إلى سكان المنطقة وتنذر بكارثة.
وكشفت «هبة» أن المحافظة طلبت منهم مغادرة المكان، حفاظا على أرواحهم دون توفير شقق سكنية لهم لحين الانتهاء من علاج ومعرفة مصدر تسرب المياه، بالرغم من مرور أكثر من شهرين على تسرب المياه، وقال مسؤولو محافظة القاهرة: «أرواحكم فى خطر وممكن الصخور تنهار عليكم وإحنا مش مسؤولين».
بينما قال هشام الشاذلى، أحد سكان الدويقة ورئيس شياخة منطقة الدويقة سابقا: إن المنطقة على وشك كارثة 2008 التى انهارت فيها صخور الدويقة وأودت بحياة 119 من المواطنين، وذلك بسبب تسرب المياه إلى البيوت وارتفاع منسوبها بشكل كبير لدرجة أن الأطفال كادوا يغرقون، منتقدا عجز المسؤولين عن حل ومعرفة سبب ومصدر تسرب تلك المياه التى شردت عشرات الأسر وتسببت فى إتلاف أثاث المنازل.
- مرشح مصر القديمة: القضاء على العشوائيات على أولوية برنامجى الانتخابى
بالصور.. الدويقة فى مدخل الهلاك.. أهالى «عاصمة الفقر» مهددون بالموت ويعانون من المرض والضياع والإهمال..والسكان يشعرون أنهم بلا حاضر أو مستقبل ..ومطالبات بتدخل حكومى عاجل لانهاء المعاناة
الخميس، 12 نوفمبر 2015 10:24 ص
الدويقة
تحقيق كريم صبحى - تصوير حازم عبد الصمد
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة