فى عالم السياسة الدولية والعلاقات بين الدول تسود فى العلن المقولات الأخلاقية، والحكمة والبلاغة اللفظية، ووراء الكواليس أمر آخر. لا صداقات مستمرة، فالتجسس على الأعداء والخصوم وحتى الأصدقاء وراد. وفى بعض الأحيان واجب. سواء مباشرة أو فى سياق تبادل المنافع والمصالح. وإذا تم كشفه يصبح مجالا للعتاب. وقبل عامين كانت هناك انتقادات وعتاب متبادل بعد الكشف عن تجسس الاستخبارات الأمريكية على زعماء العالم وأوروبا ومنهم الألمانية إنجيلا ميركل، التى انتقدت وعاتبت أمريكا، لكنها اليوم متهمة أو جهاز مخابراتها بالتجسس على الأصدقاء. الأمر الذى يضعها فى حرج واضح.
فى عام 2013، كشف العميل الأمريكى إدوارد سنودن ما عرف بفضيحة عندما كشف عن كنز من وثائق وكالة الأمن القومى الأمريكى تتعلق ببرنامجها الهائل للمراقبة والتجسس. وأن الولايات المتحدة تجسست على كل زعماء ودول العالم بما فيها الأصدقاء ومنهم رؤساء ألمانيا وأوروبا، وعندما اكتشف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الاستخبارات الأمريكية تجسست على هاتفها المحول قالت بعتاب واضح أن «التجسس على الأصدقاء لا يصح». وحاولت الولايات الإنكار والتبرير، ثم الاعتراف. وهو اعتراف كاشف وليس منشئا، لأن العالم كله يعرف أن الولايات المتحدة فيما يخص التجسس لا تعترف بمعايير الخصوصيات وأن عمل الاستخبارات لا يتوقف عند حدود مهما كانت الديباجات الأخلاقية.
إدوارد سنودن الذى فجر ما سمى بفضيحة تجسس أمريكا على الأصدقاء والحلفاء، ومنهم المستشارة الأمريكية لجأ إلى روسيا هربا من محاكمة وعقاب بالسجن.. لكن الجديد هو ما كشفته تقارير إعلامية ألمانية أن المخابرات الألمانية الخارجية تجسست على أهداف من بينها وزير «الخارجية» الفرنسى لورانت فابيوس، ومحكمة العدل الدولية فى لاهاى، ومكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، ومنظمة الصحة العالمية. ومكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف.
التقرير الذى أذاعه راديو برلين يثير الجدل فى ألمانيا، ويرى محللون أنه يعطى فرصة لوكالة الأمن القومى لترد على الاتهامات الموجهة لأمريكا بالتجسس على الأصدقاء وهو أمر يبدو محرجا للمستشارة الألمانية التى تجاوز مكتب مخابراتها حدود النشاطات الألمانية، وهى من عاتبت واشنطن بأن «التجسس على الأصدقاء لا يصح» سيردون عليها «إنكم أيضا تتجسسون عليهم».
لكن الأمر لا يتوقف على ذلك وجهاز المخابرات الألمانى له أنشطة تعاون فيها مع وكالة الأمن القومى الأمريكى حيث تحقق لجنة الرقابة البرلمانية فى أنشطة جهاز (بى. إن. دى) بعدما تكشف أنه ساعد بصورة غير مباشرة وكالة الأمن القومى الأمريكية فى التجسس على شركات أوروبية مثل شركة إيرباص.
بما يعنى وجود صفقات ومصالح متبادلة، وأن الأنشطة مستمرة بعلم أطرافها. وأن التجسس على الأصدقاء وارد طالما لا يتم كشفه. وهو فن التجسس على الجميع.