ليس عيبا أن تكون الدولة بكل مؤسساتها وفى ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية استثنائية مثل «التاجر المفلس» الذى يفتش فى دفاتره القديمة لحصر أمواله وموارده الضائعة هنا وهناك. فنوبة الصحيان الآن من الدولة للتفتيش فى مواردها الضائعة قد يعتبرها البعض أنها نوبة متأخرة جدا، فقد ضاعت عشرات المليارات بل مئات المليارات من الجنيهات على خزينة الدولة بسبب الفساد والتسيب والتساهل فى مواردها. المهم أن «نوبة الصحيان» قد جاءت حتى ولو متأخرة، وأفضل من عدم مجيئها أبدا.
المهم هنا هو الجدية والحرص على استرداد أموال الدولة من أباطرة وحيتان الأراضى الذين حصلوا على آلاف الأفدنة فى الطرق الصحراوية الثلاث، الإسكندرية - الإسماعيلية - السويس، وبأسعار زهيدة للمتر الواحد ولأغراض معينة ثم قامت بتحويل هذا النشاط إلى بناء فيلات ومنتجعات دون محاسبة ومراجعة من أجهزة الدولة فى سنوات سابقة.
ملف الأراضى الصحراوية هو أحد الملفات الضخمة التى طالبنا مرات عديدة الدولة باقتحامها وفتحها دون أى اعتبارات إلا للقانون فقط لأنها تعيد أموالا تقدر بحوالى 80 مليار جنيه - حسب بعض التقديرات - فى حالة التوصل إلى تسويات جادة وحقيقية مع الذين استولوا على الأراضى الصحراوية سواء بوضع اليد أو بالتحايل بتغيير النشاط أو عدم ترخيصها.
الدولة هنا على محك معيار المصداقية والشفافية أمام الشعب لإثبات أنها جادة فى معركة مواجهة الفساد وفرض هيبتها بالقانون وأن لا أحد فوقه إذا أرادت أن تعلن للناس أن زمن «الأقارب والمحاسيب وأصحاب النفوذ» قد انتهى بلا رجعة. وأظن أن هذه الخطوة تزيد من رصيد الثقة فى الرئيس والدولة الجديدة، وبداية قوية للغاية فى الحرب الشاملة على الفساد داخل الحكومة وخارجها.
القضية ليست صعبة إذا توافرت الإرادة الجادة والإدارة الحاسمة فى إنهاء ملف المخالفات فى الصحراوى، دون اللجوء إلى أية أساليب أمنية و«كلبشات»، ففى رأيى أن رجال الأعمال وأصحاب المشروعات فى الطرق الصحراوية «يسعدهم» الدفع الفورى والتصالح وأنهاء أزمتهم مع الحكومة والمجتمع، والدولة أيضا لن تستفيد شيئا من «الصدام» طالما أنها ستحصل على أموالها بالشكل القانونى.
الدفاتر كثيرة ويجب البحث فيها وأول هذه الدفاتر التى ينتظرها الشعب هو إغلاق دفتر الأراضى الصحراوية واستعادة الأموال الضائعة.