كثير من الصراحة لا يضر، وقليل من التحرك لتطهير منزلك من أهل التطرف لن تحصد من خلفه سوى الخراب.
هذه الأيام كمشاهد سينمائية غير منضبطة، مونتاجها سيئ، ومخرجها واقعى، وكاتب السيناريو ينتمى للمدرسة العبثية، لذا يبدو الفيلم المطروح فى صالات العرض مربكًا ومثيرًا للدهشة.. وأحيانًا للإحباط.
نعيش زمن التطرف.. تنتعش الساحات الإعلامية والسياسية بمن تطرفوا فى فسادهم، ومن تطرفوا فى سوء أدبهم، ومن تطرفوا فى جهلهم، ومن تطرفوا فى «هبلهم»، ولكنها تنسى سريعًا من تطرفوا فى حب وطنهم، هؤلاء الجنود العظام الذين يفتدون أمننا واستقرارنا بأرواحهم، وهؤلاء الشباب الذين ضحوا بدمائهم إيمانًا بفكرة الثورة من أجل وطن أفضل.
يسير الواحد من جنود وضباط الجيش أو الشرطة على «رملة» سيناء هادئًا بلا ضجة وبلا كاميرات تلاحقه، وبلا حسابات يضبط وفقها إيقاع «طبلته»، فقط يسير لمواجهة الموت من أجل وطن يريده آمنًا مطمئنًا، يضحى بروحه من أجل استقرار السلم العام، فإذا به مع كل نظرة إلى وادى النيل ودلتاه يجد رجالًا لقبوا أنفسهم بالإعلاميين والمستشارين والسياسيين وأعضاء البرلمان وقد صنعوا بتطرفهم فى الجهل والفساد وسوء الخلق والألفاظ ما يكفى لأن يكدر السلم العام أكثر من قنبلة إرهابى، أو تفجير غادر من انتحارى.
يقولون إنهم يحبون الوطن، وإنهم يدعمون 30 يونيو ومسارها السياسى، ولكن فى أفعالهم ما يناقض قولهم الكثير، لأن الجندى أو الضابط الذى يتلقى رصاصة فى صدره من أجل ضمان هدوء هذا الوطن، يفعل ذلك فى صمت ودون طلب لشهرة أو ادعاء للمجد، بينما هؤلاء بارعون فى اختراع المعارك الوهمية، لإهدار كل وقت، وكل هدوء دفع الجنود دماءهم لحصده وتوفيره، تراهم غاضبين من محاسبة رجال أعمال فاسدين، ومترددين فى التمركز على جبهة وطن يحارب فى كل الاتجاهات.
تلك هى المشكلة، نعيش الآن ما بين تطرف فى حب هذا الوطن، وتطرف فى تخريبه، وتطرف فى جهل يؤدى إلى تعجيزه، وتطرف فى بلطجة يؤدى إلى تشويه سمعته، وتطرف فى نفاق ينشر بين ربوعه الإحباط، وتطرف فى الدين يؤدى إلى نشر الإرهاب، وتطرف فى لامبالاة وعزوف عن المشاركة يفتح الساحة لأراذل البشر.
ثم تتضاعف المشكلة مع اكتشاف حقيقة بائسة بأن هؤلاء الذين يتطرفون فى حب الوطن، ويقدمون من وقتهم ودمهم تضحيات هم الحلقة الأضعف فى سلسلة تجمع كل المتطرفين.
يبذل رجال فى مؤسسات الدولة، ورجال فى الأحزاب والمراكز العلمية، جهودًا مضنية من أجل وطن يصارع إرهابًا ومؤامرات وفقرًا، ومع ذلك تتراجع سيرتهم أمام تقدم مذهل لسيرة مذيع يقدم ألعاب الفيديو جيم بحماس جاهل على أنها مقاطع من حرب، وآخر يقدم كل ما هو شاذ على أنه قاعدة، ثم يجلس ليحتفل بأنه يكسب، وثالث يفاخر العالم بأنه يملك ما يستطيع أن يبتز به الجميع من تسجيلات، ورابع لم يترك نظامًا ولا رئيسًا إلا ومدحه على طريقة قصائد موظفى أفلام الأبيض والأسود للمدير الجديد، وخامس يجاهر فى تغريداته بحب الثورة والشباب، ولما حان وقت الاختيار بين الثورة وشبابها، ومن يشتم الثورة وشبابها اختار الأخير لكى يربح به معركتين فى آن واحد.
هى ليست ألغازًا، فأنت تعرفهم بالاسم، هى فقط رغبة فى تجهيل من يستحق التجاهل، ودعوة لفتح الساحة لمن يستحق أن يوجد فيها.. تذكروا فقط أن كل ضابط وجندى دفع حياته ثمنًا فى سيناء، فعل ذلك حتى تنعم أنت بهدوء، بينما هؤلاء أهدروا دمه، وافتعلوا بجهلهم ومصالحهم كثيرًا من المعارك التى تكدر السلم العام أكثر مما تفعله قنبلة الإرهابى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة