انتفض العالم بأسره بعد هجمات باريس، كسر أوباما أجندته السياسية والبروتوكولية ليعلق على الهجمات الإرهابية ويندد بها، لكنه طالب بعدم التعجل بتوجيه الاتهام إلى جهة ما.
المستشارة الألمانية ميركل استيقظت مبكرا لتدين هى الأخرى الجريمة الإرهابية داخل العاصمة الفرنسية، وبريطانيا أيضا سارعت بالإدانة بضرورة الوقوف إلى جانب فرنسا فى الحرب ضد الإرهاب.
شتان الفرق بين مواقف الدول الثلاث من هجمات باريس التى راح ضحيتها أكثر من 130 شخصا وردود أفعالها، وبين مواقفها الحادة الفجة من حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء.
تحالف واشنطن ولندن وبرلين اتخذ موقفا سريعا من حادث الطائرة الروسية، وبعد ساعات قليلة فقط بادر على الفور باتخاذ إجراءات متشددة تجاه مصر بوقف الرحلات ومنع الطيران فوق سيناء، وإجلاء الرعايا حتى قبل ظهور نتائج التحقيقات، وتحديد ما إذا كان عطلا فنيا أو حادث تفجير إرهابيا، وسارعت للتأكيد على أنه حادث إرهابى، فى حين أن أوباما فى أول تعليق له على هجمات باريس الإرهابية طالب بعدم التعجل فى توجيه الاتهام إلى طرف معين.
هل ستسارع ألمانيا بمنع مواطنيها من السفر إلى باريس، وحظر الطيران من برلين إلى العاصمة الفرنسية والعكس؟ هل ستسحب بريطانيا سائحيها من الأراضى الفرنسية، وهل ستسارع واشنطن بالتحذير من السفر إلى باريس؟
هنا تتضح ازدوجية المواقف التى تؤكد نوايا الشر تجاه مصر، وتوظيف حادث الطائرة لصالح أهداف سياسية وعسكرية أخرى فى لعبة الصراع الدولى الآن فى المنطقة، خاصة فى الملف السورى، وباريس ليست بعيدة عن أجواء هذه اللعبة، فالتدخل الروسى والفرنسى على خط الأزمة السورية ومواجهة «داعش» خارج «المعايير الأمريكية».
التدخل الروسى والفرنسى كشف اللعبة الأمريكية فى نشر الفوضى الخلاقة فى مرحلتها الثانية برعاية التنظيمات الإرهابية، وترويضها وتوظيفها لتحقيق أهدافها أو كـ«الكلاب المسعورة» ضد دول المنطقة أو حتى دول كبرى مثل روسيا وفرنسا للضغط عليها بتغيير مواقفها من الأزمة السورية ومحاربة «داعش».
روسيا استطاعت أن تمسك زمام المبادرة والقيادة فى الملف السورى وفضحت اللعبة الأمريكية، وانتقلت بالملف من مؤامرات التقسيم التمزيق والتفتيت للدولة السورية والتلويح بالتدخل العسكرى لترسيخ الفوضى، إلى مائدة الحوار السياسى بعد أن أحرزت القوات السورية تقدما على الأرض بدعم من القوات الجوية الروسية، وهو ما لا ترضى عنه واشنطن ولندن، فروسيا أصبح لها وجود فى المنطقة وتعاون وثيق مع الأطراف العربية الفاعلة فى المنطقة مثل السعودية ومصر والكويت، سواء بالتعاون الاقتصادى أو العسكرى، فالصفقات العسكرية والتسليح والمشروعات الاستراتيجية بين القاهرة والرياض والإمارات والكويت من جانب، وبين موسكو فى الجانب الآخر ليست بعيدة عن أعين واشنطن، والدعم الفرنسى لمصر سياسيا وعسكريا أيضا قد أقلق الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى لا بد من العقاب.
تفجيرات باريس لا يجب قراءتها بعيدا عن حادث الطائرة الروسية فوق سيناء، فهناك خيط رفيع يربط بين الحادثتين، وفى الوسط بينهما تفجيرات بيروت. القادم أسوأ و«نيرون» الأمريكى يسعى إلى إحراق العالم بالإرهاب وفى الآخر سيحرق نفسه.