لماذا أغمضت عينيها عن «داعش»؟
شنت فرنسا غارة انتقامية على موقع لـ«داعش» فى سوريا
خبر يحيلك إلى سؤال مباشر: «لماذا فعلتها الآن وليس قبل؟»
اكتوت فرنسا بنار الإرهاب مرتين فى شهور قليلة، الأولى كانت فى شهر يناير الماضى وهى الجريمة المعروفة بـ«شارل إبدو»، وراح ضحيتها 11 شخصا، والثانية مساء الجمعة الماضى، وكانت أكثر فداحة فى طريقة التنفيذ، وتحديد الأهداف، وحجم الضحايا «139 قتيلا و352 مصابا».
المتهمون فى المرتين، مسلمون أصابتهم لوثة التطرف، فأصبحوا إرهابيين، لم يؤثر فيهم تقدم الغرب، ونور الحضارة، فخاصموا الحاضر بكل ما فيه، ولم يجتهدوا بعمق فى صحيح الدين حتى يستخرجوا أعظم ما فيه.
هذه مكينة الفكر التى يعتنقها الإرهابيون فى التنظيمات التكفيرية، هى واحدة فى كل مكان، فالذين نفذوا جرائمهم فى فرنسا لا يختلفون عن الإرهابيين فى بريطانيا وأمريكا ومصر، لكن إذا كان الاعتقاد بأن هذا الإرهاب بفكره وأفراده هو من بيئتنا وواقعنا، وبالتالى هو مسؤوليتنا، فلماذا لا نر الغرب مسؤولا أيضا، بل مسؤولا أول.
علينا أن نفكر ألف مرة فى مدى مسؤولية الغرب بسياساته التى تتناقض أحيانا مع حضارته وتقدمه، ولعل موقفه من القضية الفلسطينية نموذجا واضحا فى ذلك، فبينما يتشرد الفلسطينيون يحمى الغرب إسرائيل، ولا يصدق حكامه بسياساتهم المنحازة لإسرائيل أنه كثيرا بقيت القضية الفلسطينية دون حل فلن تهدأ المنطقة، نعم تشهد القضية أضعف حالاتها الآن لأسباب كثيرة، لكن لن يستطيع أحد نزعها من الضمير الإنسانى، ولن يستطيع أحد نزعها من كل منابع الفكر التى تغذى الإنسان العربى وتؤصل فيه الحقوق العربية الضائعة والأرض العربية المسلوبة.
لم تصبح «فلسطين» هى جرحنا الوحيد، أصبحت العراق جرحا باحتلال أمريكا له بعد حرب مجنونة شنتها أمريكا بقيادة جورج بوش الابن ومعه بريطانيا بقيادة تونى بلير، وأصبحت ليبيا جرحا بتدخل حلف الأطلنطى لإسقاط معمر القذافى، وتحولت بعده إلى مأوى لقوى الإرهاب فى المنطقة، وأصبحت اليمن جرحا، وأصبحت سوريا جرحا أعمق، وكل الجروح صنعها الغرب، نعم توجد أطراف إقليمية تتحمل المسؤولية فى صناعة هذه الجروح، لكن بعض هذه الأطراف تنفذ أجندتها بإملاءات أمريكية وغربية خالصة.
المأساة التى حدثت فى فرنسا وأسقطت قتلى وجرحى أبرياء، تقودنا إلى ضرورة هذا الاستدعاء المسكوت عنه الآن فى سياسات الغرب التى تزيد من الإرهاب ولا تعالجه، وإذا كانت الغارة التى وجهتها فرنسا على معاقل داعش فى سوريا هى رد طبيعى، فلماذا لم تفعلها فرنسا من قبل؟.
لماذا ظلت على موقفها المتشدد المصمم على إسقاط بشار الأسد قبل أى شىء آخر؟
لماذا اغمضت عينيها عن «داعش» حتى يتمدد بهذا الشكل؟ لماذا سارعت بعد توجيه روسيا للضربات العسكرية الجوية على مواقع داعش، إلى اتهامها بأنها توجه ضرباتها إلى أهداف غير داعش؟، فوقفت بذلك فى الحلف الذى يشجع على بقاء داعش طالما يقوم بمهمة استنزاف الجيش العربى السورى مما يرتب سقوط بشار الأسد تلقائيا، هى تحدثت كما تحدثت بريطانيا وأمريكا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى الحقيقة أنها أحاديث لا تعبر عن مواقف جذرية لهذه الأطراف، وإنما انعكاس لمصالح لهم يستهدفون تحقيقها فى المنطقة.
عظيم أن تحقق الضربة الجوية التى نفذتها فرنسا، تدمير موقع للقيادة تستخدمها «داعش»، ومركز للتجنيد ومستودع أسلحة وذخائر، ومعسكر تدريب، لكن لماذا لم تفعلها من قبل لتدمير كل هذه الأماكن؟، أقول ذلك وإدانتى بلا حدود لما حدث من جرائم إرهابية فى البلد الذى يعطى الإنسانية، فكرا وأدبا وفنا وحضارة بلا حدود، إنها فرنسا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة