خالد صلاح يكتب :الصحافة الإلكترونية المصرية وعمالقة محركات البحث والسوشيال ميديا.. ما الذى ينبغى أن يعرفه صناع الصحف عن المخاطر المحتملة للنشر الإلكترونى؟

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015 02:18 م
خالد صلاح يكتب :الصحافة الإلكترونية المصرية وعمالقة محركات البحث والسوشيال ميديا.. ما الذى ينبغى أن يعرفه صناع الصحف عن المخاطر المحتملة للنشر الإلكترونى؟ خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سأقفز مباشرة للموضوع خبريًا وبلا مقدمات..

أقول لكم، أن الصحافة الإلكترونية فى مصر والعالم العربى قد تتعرض لخطر واسع قد يؤثر على قدرات العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية ومنتجى المحتوى المعلوماتى أمام طغيان شركات السوشيال ميديا العالمية «فيس بوك» و«تويتر» وغيرها من الشبكات، ثم أمام جبروت «جوجل» وسيطرته على قطاعات واسعة من سوق الإعلانات فى العالم.



النظرية التى تؤمن بها الجماعة الصحفية المصرية الآن تنص على أن الصحافة المطبوعة وحدها هى التى تتعرض للمخاطر ويهددها الانقراض، وأن البديل هو الصحافة الإلكترونية التى تحتل الصدارة فى المتابعة ويتسع انتشارها بين مستخدمى شبكات الإنترنت، لكن يؤسفنى أن أضيف لكم، بكل أسى، أن الصحافة الإلكترونية نفسها بمفهومها المؤسسى والصناعى هى أيضًا فى عين عاصفة المخاطر، وقد تتعرض لتهديدات أكبر مما تتعرض لها الصحف الورقية ما لم نفهم، نحن هنا فى مصر

«نفهم الآن، الآن وليس غدا»

كيف نتعامل مع شبكات التواصل، وكيف نفهم لوغاريتمات جوجل، وكيف نتعامل مع منصات عرض منتجاتنا الإخبارية على هذه الشبكات العالمية العملاقة، وكيف ندير شكل عرض المحتوى على «فيس بوك» و«تويتر» و«جوجل نيوز»، و«ياهو نيوز» و«انستجرام» وغيرها من الشبكات العملاقة المسيطرة على العالم.

ويؤسفنى أيضا أن المخاطر نفسها ستبقى حاضرة ومؤثرة ما لم نفهم أيضا

«الآن، الآن وليس غدا»

كيف نتعامل مع العملاق الأكبر «جوجل» الذى تحول من محرك بحث إلى اللاعب الرئيسى فى المنح والمنع للزوار للمواقع الإلكترونية، ثم تحول أيضا إلى ناشر للأخبار ينافس الصحف فى مجالات النشر المختلفة، ثم تحول كذلك إلى أهم مؤسسة لنشر الإعلانات الإلكترونية فى العالم، وسيطر بسهولة على الشريحة الكبرى من كعكة النشر الإعلانى فى مصر والعالم العربى.

الواقع الآن يؤكد أن الصحف الإلكترونية تتسابق على نيل رضا «فيس بوك» والحصول على البركة من «جوجل»، هذا المنطق طبيعى الآن ومفهوم ومبرر، نظرًا للأداء الأسطورى لهذه المواقع ونجاحها المطلق فى السيطرة على مستخدمى الإنترنت، فهذه المواقع وحدها قد تمنحك بركة وعظمة فورية، ثم هى قادرة فى الوقت نفسه أن تسحق المواقع والمؤسسات الصحفية إذا غضبت عليها فتتركها رمادا تذروه الرياح.

السباق الآن إذن، فى كل الصحف الإلكترونية هو على نيل بركة شبكات التواصل ومحركات البحث، لكن هذه المواقع العملاقة نفسها لا تعترف سوى ببقائها وحدها على العرش دون منازع، فهذه المنصات صارت تنافس الصحافة الإلكترونية فى إنتاج المحتوى الخبرى، وترتيبه وتصنيفه بطرق جديدة وتقديمه مرة أخرى للقراء، دون أن تنتبه الصحف حتى الآن أن نصف قرائها يطالعون الأخبار على هذه المنصات العالمية وينصرفون عن المواقع الأساسية المنتجة للخبر الأصلى نفسه، فالقراء يتعاملون بسهولة مع هذه المواقع العملاقة، ويفضلون مطالعة الأخبار مباشرة على هذه الشبكات، ولا تفكر الشريحة الكبرى من هؤلاء القراء فى إجهاد نفسها لتنقر زر الدخول إلى الموقع الأصلى وتفضل مطالعة العناوين على الروابط التى تقوم الصحف الإلكترونية بعرضها على شبكات التواصل الاجتماعى طوعا ودون إحساس بالخطر.

الصحف تفرح بعدد محدود من القراء يدخلون مباشرة إلى موقع الصحيفة، وتحتفل بحجم الـ«شير» الذى تناله أخبارها، فى حين ينبغى أن تقيم سرادق عزاء هائل نتيجة انصراف العدد الأكبر والأعظم من هؤلاء القراء عن الموقع نفسه، والاكتفاء بمتابعة المحتوى على شبكات التواصل، فحين تسأل قارئا الآن سؤالا بسيطا: «أين قرأت هذه المعلومات؟» فلن يتردد فى الإجابة «طبعا على فيس بوك!»، ليختفى المرجع الأساسى للخبر «وهو الصحيفة نفسها» ويبقى الفيس بوك هو الموقع الوحيد الذى يصنف ويفهرس ويعرض، ولا عزاء لكل الصحف الإلكترونية التى تناضل من أجل المزيد من «الترافيك».

الصحف قد تكسب شهرة سبقها بنشر الأخبار، وقد تكسب انتشارًا لاسمها فى فضاء الإنترنت، لكنها حتمًا تخسر خسارة فادحة بانصراف القراء إلى مطالعة المحتوى نفسه على منصة عملاقة أخرى اسمها «فيس بوك» أو «تويتر» أو «جوجل نيوز» أو عبر تطبيقات الأخبار من «ياهو» أو من تطبيقات السطو على المحتوى فى الموبايلات المنتشرة على «أبل ستور» أو «أندرويد».

قد تكسب شهرة، لكنك لا تكسب زوّارا بعدد يليق بالمحتوى الذى اجتهدت للانفراد به.
قد تكسب «شير» لكنك لن تكسب إعلانات جديدة على موقع الصحيفة.
وحدهما «فيس بوك» أو «جوجل» وغيرهما من محركات بحث وشبكات تواصل تربح بلا تعب أو جهد من هرولة الصحف للنشر على هذه المواقع العملاقة.

النتيجة إذن:


إننا ننتج الخبر بتكلفة كبيرة
وندرب محررينا على العمل
ونسدد فواتير تكلفة إنتاج المادة الصحفية
ونلهث وراء صور جديدة
ونخاطر بالوصول لمناطق انفرادات صعبة
وننفق على رحلات خارجية
ونسدد الضرائب ونظم التأمين الطبى
ثم بعد ذلك نعرض كل هذا بلا ثمن على «فيس بوك» و«جوجل» و«تويتر» و«إنستجرام» وغيرها، باعتبارها شبكات وصول للقراء، لكن الحقيقة أن هذه الشبكات تربح أموالاً طائلة من وراء هذا الإنتاج الكبير، والصحافة الإلكترونية تخسر خسارة مذهلة من وراء هذا النزيف فى قرائها الذين يلاحقون الصحف فى شبكات التواصل وليس على مواقع هذه الصحف نفسها.

النتيجة أيضا..

أننا لا نكسب زوّارًا جددًا من وراء هذا السلوك الذى تمارسه الصحافة الإلكترونية، دون أن تدرك تأثيره المخيف على مستقبل الصحافة نفسها كصناعة فى المستقبل.

أضف إلى هذا المشهد مجموعة من الحقائق الخطرة الأخرى:


أولاً: «جوجل» هذا العملاق الأول فى العالم يربح مليارات الدولارات كل عام من نشر إعلانات على الصحف الإلكترونية، ويعرف خبراء هذا المجال أن جوجل يقدم أسعارًا بخسة فى الإعلانات، بينما تفرح الصحف الإلكترونية ببلاهة ببضعة آلاف من الدولارات يتقاسمها جوجل مع هذه المواقع، جوجل لا يسدد فواتير إنتاج العمل الصحفى، فبأى حق يحصل على النسبة الكبرى من دخل الإعلانات؟ ثم بأى حق يتحكم فى سعر الإعلان الإلكترونى فى كل بلد فى العالم؟!

هذا الملف شديد الخطورة إذ أن المعلنين، حتى فى الشركات المصرية الحكومية وبنوك القطاع العام، والهيئات والشركات المصرية العامة والخاصة يميلون الآن نحو الأسعار الزهيدة التى يقدمها جوجل فى الإعلان ليضعه على المواقع الصحفية المحلية الشهيرة،

صارت الصحف الإلكترونية، إذن، تنفق أكثر وتبيع إعلانات بأسعار أقل

، ونظن أن بركة جوجل وحده هى التى تمنحنا الحياة على الإنترنت، كل ذلك دون أن تلتفت الصحف أو وكالات الإعلانات المصرية إلى أن جوجل يتقاسم أرباحا لم يدفع تكلفتها، ويسدد ضرائب هذه الإعلانات فى بلدان أخرى غير مصر.

ببساطة ستجد شركات الإعلانات المصرية نفسها فى مأزق غير مسبوق عندما تدرك أنها سمحت لجوجل بأن ينافسها فى النشر الإعلانى لمحتوى لا يملكه، وفى بلد لا يعرف عنه شيئا، وفى سوق لا توجد فيه تشريعات تضبط مجال النشر الإلكترونى وتضع كل الصحف الإلكترونية ومنصات النشر المصرية تحت رحمة عمالقة الإنترنت بلا رحمة.

ثانيًا: يعلم خبراء هذا المجال أيضًا أن «فيس بوك» طبق سياسات جديدة خلال العام الماضى جعلته هو المسيطر الوحيد على صفحات الشركات الناشرة للأخبار، فأيًا كان عدد متابعى الصحيفة الإلكترونية ومحبيها على «فيس بوك»، فإن أدمن الصفحات لم يعد يمكنهم من الوصول إلى كل أعضاء الصفحة إلا بدفع أموال جديدة لـ«فيس بوك»!

أى أن الصحيفة لم تعد تملك الصفحة رسميًا

، الصحف دفعت الملايين لتنتج الأخبار ولتضمن الانتشار، ثم يأتى فيس بوك ويقول للجميع أن بوستات الصفحة لن تصل إلى كل القراء فى وقت واحد، وإن كل بوست له سقف محدد فى الوصول للمتابعين، وإذا أرادت الصحف أن تصل لمتابعيها فعليها أن تدفع مبالغ محددة لفيس بوك لتصل إلى قرائها!
الصحف تدفع لتصل لقرائها!
فيس بوك وحده يتحكم فى الصفحة!
وليس من حقك «رسميًا» أن تنشر إعلانًا على صفحتك، فيس بوك يشاركك فى هذا الإعلان، ويمكن لإدارة فيس بوك أن تغلق صفحتك نهائيًا أو تنزل عليك ما تشاء من عقوبات إذا لم تلتزم بسياساتها الإعلانية.

يا إلهى..
تدفع لزيادة القراء
وتدفع للوصول لهؤلاء القراء
ثم فيس بوك وحده يتحكم فى عدد الزوار الذين يتجهون إلى موقع الصحيفة مباشرة.
وتخضع لعقوبات فيس بوك
وليس من حقك نشر الإعلانات
فيس بوك وحده ينشر الإعلانات على صفحتك دون أن يتقاسم معك الربح!

الصحف الإلكترونية لم تعد تعمل لنفسها إذن

.. صرنا نخدم أرباح جوجل وأرباح فيس بوك!
كيف يمكن للصحافة الإلكترونية أن تستمر، إذن، إذا كان المحتوى متاحًا بالمجان على منصات هؤلاء العمالقة «جوجل وفيس بوك وتويتر ويوتيوب» مجانًا؟
وكيف يمكن أن تحيا هذه الصحف الإلكترونية أو تزدهر إذا كنا لم نُدرك هنا فى مصر حتى الآن أن جوجل وحده هو الرابح الأول فى سوق الإعلانات؟
الصحافة الإلكترونية تنفق ليربح جوجل، جوجل فقط يربح لأنه يحصل على نسبة من إعلانات دون أن يتحمل ثمن دولار واحد فى إنتاج المحتوى!
ثالثًا: سأضيف لكم مأساة أخرى جديدة تسهم فى إضعاف الصحف الإلكترونية حتمًا على المدى الطويل، أن لم ينتبه صناع هذه الصحافة الإلكترونية للمخاطر المحتملة، المأساة هى فى التطبيقات المجانية لعرض الصحف على الهواتف المحمولة، فهذه التطبيقات تحصل على بث مباشر من المواقع الكبرى للصحف الإلكترونية وتعرضها على الموبايلات فى تطبيق واحد، دون أن تحصل الصحف على زائر واحد جديد لمواقعها عبر هذه التطبيقات.

أى أن الصحافة الإلكترونية توافق بكامل إرادتها الحرة على أن تسمح بعرض محتواها فى مواقع أخرى دون أن تتقاضى مليمًا واحدًا أو تحصل على زائر واحد، والأخطر هنا أن هذه المواقع أو التطبيقات تسجل للحصول على الإعلانات من جوجل، فيمنحها جوجل إعلاناته على المحتوى نفسه الذى تدفع الصحف ملايين الجنيهات شهريًا لإنتاجه، فيربح لصوص المحتوى، ويربح جوجل معهم، فيما تتوهم الصحف الإلكترونية الكبيرة أنها تحقق شهرة ونجاحًا، دون أن تدرى حجم الأموال التى تضيع عليها تحت سمع وبصر عمالقة الإنترنت.

ما أقوله الآن ليس مقالاً صحفيًا

.. ولكنه رسالة تحذير لكل زملائى فى المؤسسات الصحفية الكبرى، بأن ما نظنه صديقًا الآن قد يكون هو العدو نفسه، وأن ما تعتقدون أنه جسر للشهرة والربح فى الشبكات الاجتماعية وعلى محركات البحث قد يصير منصة الإعدام التى نسير إليها زمرًا ونحن مبتسمون وسعداء..
هل هناك حلول لمواجهة ذلك وحماية الصحافة الإلكترونية من هذا النزيف؟!
نعم.. بالتأكيد..
رؤية موحدة للتعامل مع الشبكات الاجتماعية..
رؤية تنسيقية للتعامل مع محركات البحث..
سياسات وتشريعات واضحة للنشر الإلكترونى..
تشريعات صارمة تحكم سوق الإعلانات الإلكترونية..
ولن يتحقق ذلك إلا بوحدة الرؤية والوعى لدى المؤسسات الصحفية العاملة فى هذا المجال..

أوجه كلامى ذلك للزملاء جميعا.. من منصة «اليوم السابع» إلى كل شركاء العمل والحلم فى الجماعة الصحفية وفى حقل الإعلام والإعلان:



نقابة الصحفيين المصريين
مؤسسة الأهرام
مؤسسة الأخبار
مؤسسة الجمهورية
مؤسسة المصرى اليوم
صحيفة وموقع الوفد
صحيفة وموقع الوطن المصرية
صحيفة وموقع الشروق المصرية
صحيفة وموقع البوابة نيوز
موقع التحرير
موقع مصراوى
موقع كورة
موقع فيتو
موقع صدى البلد
موقع قناة النهار
موقع قناة سى بى سى
موقع قناة الحياة
موقع قناة ten
وكالة الأهرام للإعلان
وكالة ميديا لاين للإعلان
وكالة بروموميديا للإعلان
وكالة كونيكت آد للإعلان
وكالة المستقبل للإعلان
وكالة آد لاين للإعلان
وإلى سائر الزملاء فى هذا القطاع المعرفى والإخبارى والمعلوماتى الذين يبذلون جهودا جبارة فى النشر الإلكترونى باعتبار أن هذا النشر هو عنوان المستقبل، وأخشى عليهم أننا جميعا قد نساق إلى نهاية مأساوية لن ينجو منها إلا من استعد لها بكفاءة ووعى وعلم وتشريعات وتنسيق مؤسسى.

ها أنا ذا أعلق الجرس فى رقبة القطة.. فمن يصطف إذن؟.. ومتى؟



خالد صلاح


رئيس تحرير «اليوم السابع»








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة