فرنسا تبحث عن شبابها المفخخ
هل تعرف أوروبا معلومات واحدة عن عدوها الذى تشن عليه الحرب؟.. فرنسا مثلا عضو فى التحالف الذى يشن هجمات على «داعش» من عدة أشهر من دون نتيجة واضحة، فرنسا بعد هجمات باريس تبدو أنها فى سبيلها لفك ألغاز ومفاجآت، فقد كانت فرنسا ومعها دول أوروبا تتصور أن «داعش» يتركز فى سوريا والعراق، أو أنه وغيره من التنظيمات المسلحة نتاج للشرق الأوسط بكل ما فيه من ألغاز، أو نتاج للاستبداد والقمع والفقر، لكن فرنسا ومن قبلها أوروبا استيقظت من شهور على حقائق تقول لهم: إن الشباب الأوروبى الذى يفترض أنه ولد وعاش وتعلم فى المجتمع الأوروبى بديمقراطيته وانفتاحه وتعدده، من الصعب أن يشبهوا هؤلاء الآخرين فى الشرق. لكنهم يكتشفون أن شبابهم أصبحوا قنابل قابلة فى أى وقت للانفجار بالفعل وليس بالمجاز، فالذين نفذوا هجمات باريس وقتلوا 130 وأصابوا عشرات هم شباب اغلبهم مولود فى فرنسا أو أوروبا.
ثم أن أبرز مخططى ومنفذى هجمات باريس أوروبيون، عبدالحميد أباعود وبلال الحدفى بلجيكيان، وعمر إسماعيل وسامى عميمور، وإبراهيم وصلاح ومحمد عبدالسلام، فرنسيون، ويتوقع الكشف عن مزيد من القتلة والخلايا العنقودية التى شاركت فى العملية أو جاهزة لتنفيذ المزيد من الهجمات. ربما يرد الأوروبيون بأنهم من أصول عربية، ويتخذ كارهو الأجانب من هذا حجة لرفض المهاجرين واللاجئين، لكن ما يقرب من ثلث المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش أوروبيون، واللغة الفرنسية لغة أساسية فى الرقة بسوريا، فى فرنسا يتحدثون عن خلايا عنقودية داعشية، وحديث عن ذئاب منفردة، لا يوجد حصر دقيق لأعدادهم.
الذئاب المنفردة شباب تم تجنيدهم يظلون خلايا أو أفرادا نائمين صامتين حتى يتلقوا التعليمات، ثم إنهم مستعدون لتنفيذ عمليات انتحارية، وغالبًا يفضلون الموت على الوقوع فى أيدى أجهزة الأمن. الآن تتحدث أجهزة المعلومات عن آلاف من الخلايا فى أوروبا مستعدة للتحرك والقتل مثلما حدث فى فرنسا، ومن لغة التهديد التى أعلنها «داعش» ضد أمريكا وباقى أوروبا يعنى الثقة فى امتلاك القدرة على التحكم فى مئات الخلايا، وأمس الأول تم الكشف عن سيارة إسعاف ملغمة فى ألمانيا.
بالنسبة لنشأة «داعش»، هناك كثير من المعلومات المتوفرة حول نشأته بدعم أوروبى كامل، ضمن عمليات دعم المعارضة السورية المسلحة، وبعد فشل الرهان على الجيش الحر، نشأت بتمويل ضخم من دول خليجية، تدعم الفكر السلفى والتكفيرى، وهذه الدول أو بعضها تعرضت لعمليات انتحارية أكثر من مرة، السعودية والكويت، أمريكا كانت طرفا فى تكوين التنظيمات المسلحة، وهناك تقارير عن لقاءات بين جون كيرى وأبوبكر البغدادى أو بعض من أصبحوا قيادات داعش بعد ذلك، وأن أوروبا أو حلف الناتو كانوا على اتصال بالمقاتلين من داعش والنصرة والقاعدة، فى سوريا، وأيضا فى ليبيا.
ويقول محللون أن دعم المقاتلين لإسقاط القذافى أو الحرب فى سوريا منحهم فرصة للنمو والتوسع فى ظل تمويلات ضخمة، وكان شباب المقاتلين الأوروبيين الذين تدفقوا على داعش والنصرة فى سوريا يحظون بتغطية وتمجيد من الإعلام الأوروبى باعتبارهم رسل الحرية، ولم يتوقعوا أن يعود هؤلاء الشباب لتفجير أنفسهم فى فرنسا أو المانيا أو بريطانيا أو أمريكا.
ربما لهذا يقترب الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند من روسيا فى الحرب على داعش، ويطلب إجراءات أقوى وتعديلات قانونية، بل دستورية تسمح بإسقاط الجنسية ومطاردة المشتبه فيهم، ومن الصعب توقع أن تتفق أمريكا مع روسيا، وفرنسا فى جبهة واحدة، وما إذا كانت روسيا التى تشن حربا من أسابيع لديها معلومات كاملة عن داعش، أو حتى أمريكا المتهمة بعلاقة مع التنظيم، فى وقت يهدد «داعش» أمريكا وإن تحقق التهديد فإنه يمثل انقلابا على الساحر، وليكتشف من تصوروا أنهم أمام تنظيم ينفذ أهدافا محددة، أنهم أمام شبكات تنام تحت جلد أوروبا وأمريكا وتهددهم جميعا.