الرأسمالية كما اخترعوها فى بلادها، لها جناحان: الحرية والضوابط، لأنهم كانوا يعلمون أن رأس المال إذا توحش أصبح ذئبا، يعقر الفقراء والعاطلين ومحدودى الدخل، فأطلقوا الحرية لرجال الأعمال، لتفجير طاقات التميز والإبداع، ووضعوا ضوابط قاسية، ليعيش المجتمع تحت مظلة السلام الاقتصادى، أما فى بلادنا فقد تعودنا أن نأخذ من تلك الأنظمة أسوأ ما فيها، ففى الستينيات استسلمت الاشتراكية لعيوب التأميم، وضياع قيم الإبداع وإهدار تطوير الإنتاج والصناعة الوطنية، وفى السبعينيات تحول الانفتاح من إنتاجى إلى استهلاكى، وفُتحت الأبواب والشبابيك لزبالة الواردات، وبدأ الظهور المكثف لمن أُطلق عليهم القطط الثمان، وفى الثلاثين عاما الأخيرة، اختلت عدالة توزيع عوائد التنمية، وذهبت للمستثمرين وأصحاب المشروعات، ولم يذق غالبية المواطنين ثمارها.
السلام الاقتصادى ليس مواعظ يزين بها رجال الأعمال خطبهم فى المنتديات والمؤتمرات، ولكنه هدف سام ونبيل يتجسد على أرض الواقع، بمجموعة من القوانين التى وضعوها فى الموطن الأصلى للرأسمالية، ومنها على سبيل المثال قانون هامش الربح، الذى يضع سقفا لأسعار السلع والخدمات، بهامش ربح عادل بعد احتساب تكلفة مكونات الإنتاج، فإذا كانت تكلفة إنتاج سلعة معينة 200 جنيه، يكون هامش الربح %20 أو %30، ولا يترك الأمر لجشع المنتجين والموزعين والسماسرة والاحتكارات.
مشكلة الحكومات السابقة هى تدليل رجال الأعمال أو الخوف منهم، فأصبحت الأيادى مرتعشة ولا تقدر على إصدار قوانين، تحقق السلام الاقتصادى الغائب، وإذا أقدمت أشهروا لها فزاعة هروب الاستثمارات، وطالبوا بمزيد من الامتيازات والفرص، وعقدوا مقارنات خاطئة من دول أجنبية تمنح الأراضى مجانا، وتفتح خزائن البنوك بلا ضمانات، وفى حدود علمى ليست هناك دولة تملك أراضيها للمستثمرين مثل مصر، وإنما تمنحهم فقط حق الانتفاع، حفاظا على حق الأجيال القادمة فى ثروات بلادهم، وأسوأ مثال هو ما حدث على جانبى طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، حيث وضع أصحاب السطوة والنفوذ أيديهم على الأراضى، وتحولت من الاستصلاح الزراعى، إلى تشييد المنتجعات السكنية، والفدان الذى حصلوا عليه بخمسين ألفا باعوه بخمسين مليونا، وتعنتوا وتهربوا من سداد حق الدولة، ولكن لا يموت حق وراءه مطالب، ورفع النظام الجديد سيف القانون لاسترداد الأموال التى ضاقت بها خزائنهم دون وجه حق.. ويا مسهل يا رب لعودة الطمأنينة الاجتماعية، وأن يذوق الفقير قبل الغنى ثمار التنمية.