لأنى لا أميل كثيرًا للبكاء على الوقت المهدور، ولأنى أيضا من أنصار «ثقافة الغد»، سأسمح لنفسى أن أسأل سؤالا: هل يجوز لمصر الآن أن تكتفى بما أنجزه الآباء والأجداد لكى يصبح إنجازها الوحيد هو افتتاح منشأة أو تجديد أخرى؟
لا أعتقد أن مصر الآن يكفيها أن تعيش على شرف افتتاح منشأة مغلقة، ولا أظن أنه من اللائق أن يتباهى الآن وزير بأنه أعاد المنشأة الفلانية إلى الحياة أو أنه جدد متحفا ما كان متوقفا، فعلى حسب معلوماتى فلكل متحف ميزانية للتجديد والتطوير والصيانة، وأظن أنه إذا تم إنفاق هذه الميزانية برشد وفهم فلن نحتاج إلى إغلاق متحف ما عدة أشهر لإصلاحه أو تطويره، وهنا يجب علينا أن نتبنى ما يسمى بالخطة المستقبلية أو الخطة الاستراتيجية التى نحاول من خلالها أن نرسم الواقع الثقافى بما نريده نحن لا بما تريده لنا الظروف.
سأضرب لك مثالاً واحدًا هو متحف الفن الحديث الذى يحتوى على ما يقرب من 14 ألف لوحة فنية، منها الغث ومنها السمين، فبرغم أن مصر من أهم دول العالم فى الفن التشكيلى وأهم دولة على الإطلاق فى منطقتنا العربية والإسلامية، لكنها للأسف لا تستغل هذه السمعة العالمية التى صنعها الآباء، فدرة متاحف الفن التشكيلى الآن ليس أكثر من مخزن كبير بحاجة ماسة إلى ضبط مسار أو تحويل نشاط، فلا يجوز أن يكون متحف الفن الحديث فى مصر بهذه الحالة المزرية ولا هذه المساحة الضيقة، وإنى أقترح هنا أن نبدأ بتحويل هذا المتحف الكائن بدار الأوبرا المصرية إلى مكتبة كبرى للفنون، بها قاعات اطلاع وقاعات اتصال إلكترونى وأرشيف محيط بكل الأعمال الفنية المصرية، وقاعات لدراسة تاريخ الفن وقاعات أخرى لتعليم النقد الفنى، وقاعات ثالثة متصلة بمكتبات العالم لتقدم العون والمساعدة للباحثين.
ستقول وماذا سنفعل فى الـ14 ألف لوحة الموجودة فى المتحف الآن؟ وأقول لك إنه يجب أن يعاد النظر فى هذه اللوحات فنحتفظ بالثمين منها، بحيث نمنح رواد الفن المصرى وأعلامه مساحة أكبر من المسموح بها فى متحف الفن الحديث الآن، ثم نعيد استثمار اللوحات الأخرى سواء بالإعارة أو بتوزيعها على المسارح وقصور الثقافة وقاعات المؤتمرات، أما لوحات الرواد وتماثيلهم فيجب إنشاء متحف آخر ليستوعبها، متحف حقيقى يليق بما تمتلكه مصر من فنانين تتهافت متاحف العالم على اقتناء لوحاتهم، وهو الأمر الذى كان يخطط له الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، وللأسف لم يتمكن من تنفيذه، وهو أيضا الأمر الذى أوصى به بعض الفنانين مثل الفنان إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون، والفنان محمد طلعت، مدير جاليرى مصر، فهل يفعلها الكاتب الكبير حلمى النمنم وزير الثقافة الحالى؟