عندما يغيب المنطق يرتفع الصراخ، ومصر تعيش حالة صراخ حاد، أهم أعراضها فريق من أهل النخبة يكتب للرئيس، ويناشده ويرجوه أن يتدخل فى كل شىء، بعضهم يطلبون منه إزاحة من حوله واستبدالهم بمن هم «أكثر وطنية وخبرة»، وآخرون يحذرونه من المطبلين والمنافقين ورجال كل العصور، ويرتفع سقف المطالب وينخفض حسب أحوال الطقس السياسى.. لماذا لا يتدخل الرئيس؟ لماذا لا يطهر الدولة والإعلام والقضاء من بقايا الطابور الخامس؟ لماذا لا يغضب ويضرب بيد من حديد؟ لماذا لا يستعين بطاقم جديد من المساعدين يدينون له بالولاء، ويؤمنون به وينفذون سياساته؟ ببساطة شديدة، إنه الحنين إلى عودة الرئيس الفرعون من جديد؟ من الطبيعى أن يكون الرئيس راعيا لمصالح الشعب، وأن يحقق العدل والمساواة ويرفع المظالم ويرد الحقوق، ولكنه ليس تحت أمر النخبة، التى تؤدى مطالبها إلى تحميل كل شىء للرئيس، والعودة من جديد لأسطورة الزعيم الأوحد البطل والملهم والمعلم والقائد، وبالروح والدم وغيرها من شعارات ثبت فسادها وخرابها، وحمّلت رؤساء مصر السابقين فوق طاقتهم، وعلقت فى رقابهم أخطاء وخطايا تحملوا وزرها، ويحاولون الآن تكرار نفس السيناريو القديم، ليكون الرئيس مسؤولا عن كل شىء، حتى لو كان يدعو إلى ضرورة المشاركة وتحمل المسؤولية، وأن يملأ من يشغل موقعا مكانه أو يتركه.
من أولى مسؤوليات الرئيس، الدفاع عن مصالح الشعب، والشعب ليس النخبة التى تظن على غير الحقيقة أنها الناطق الرسمى بلسان الشعب، وتريد من الرئيس أن يخوض معاركها، ويقرب منه من يحبون ويبعد عنه من يكرهون، وإذا لم يفعل ذلك أشهروا أسلحة النقد والهجوم والتجنى، وهم يعلمون جيدا أن مكانة الرئيس تعلو وترتفع، كلما كان حريصا على الالتزام بالدستور والقانون، وأن يكون على مسافة واحدة من الجميع، أما الدعوة إلى اختزال كل سلطات الدولة فى الرئيس، فظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.
ولن تخطو البلاد إلى الأمام باسترجاع عصر الضوء الأخضر والخط الأحمر والرضا والغضب الرئاسى، وغيرها من محاولات الزج باسم الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة.
أعباء المنصب تحتم أن يقود الرئيس المهام الكبيرة والأعمال الضخمة، دون أن يُطلب منه كل ساعة ودقيقة أن يتدخل، حتى يتفرغ لمعارك الوطن الكبرى، وتنساب السلطة فى عروق الدولة فى يسر وسهولة، ويتحمل كل مسؤول فى موقعه الأعباء كاملة، ولا يلقيها على كاهل الرئيس، فالرئيس هو الذى يحاسب من يخطئ ويقصر وليس العكس، وكل مسؤول رئيس فى موقعه، وعليه أن يتسلح بالقدرة والرغبة والإدارة، ولا يتهرب من المسؤولية ويلقيها على غيره، فتلك عادة فرعونية قديمة، يجيدها أصحاب المواقف الضعيفة والرؤى الغائبة.
المهام الجسام الملقاة على عاتق من يحكم دولة مثل مصر، تتطلب من المسؤولين التعاون والجرأة والقدرة على اتخاذ القرار، لمساعدة الرئيس فى النهوض بالدولة، وسط عالم مضطرب ومتحفز ومتربص.
ويحيك المؤمرات والمشاكل لبلدنا، عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، ولا يعمل حسابا إلا للدول التى لا تمد يديها لأحد، يكفى الرئيس إدارة منظومة الدولة من أعلى وليس من أسفل، واستعادة مصر الآمنة المستقرة الخالية من الإرهاب، واسترجاع مكانتها وتعظيم دورها، ويكفيه التحديات الاقتصادية الصعبة التى تتطلب جهدا خارقا للخروج من عنق الزجاجة، فهو المايسترو الذى يقود العزف ويضبط الإيقاع ويمنع النشاز، أما العازفون خارج النوتة وبعيدا على اللحن الأساسى، فيجب الحذر منهم حفاظا على الدولة والشعب والرئيس.