قامت الدنيا وسوف «تقعد» بسبب الشاب مصطفى الصاوى، مثلما يحدث مع كثيرين مثله. يواجهون الإهمال والبيروقراطية، وإذا بحثوا عن مخرج يواجهون اتهامات ساذجة.
مصطفى شاب موهوب ومتفوق فى المنصورة شغوف بالعلم والهندسة توصل إلى اختراع «السد الذكى» لتوليد الطاقة الكهربائية من دمج 3 مصادر للطاقة المتجددة بطاقة توليد 33.1 جيجا وات / الساعة، وتحلية المياه بأقل من %20 من تكلفتها. وحصل على المركز الأول فى الأمم المتحدة كأفضل مخترع عام 2014. عاد «مصطفى» من لندن وتمت دعوته إلى عديد من الاحتفاليات فى الجامعة والمحافظة والوزارة، دروع وقبلات ونظرات وشهادات تقدير. وبعد التكريم والقبلات والشهادات والنظرات. لم يجد مسؤولا، أو شركة أو رجل أعمال يهتمون به ويقدمون له عرضا.
ثم تلقى دعوة من دولة الإمارات العربية للتكفل به وتعليمه ودعم اختراعه، وألحقوه بمدرسة دبى للمتفوقين، وحصل على الجنسية، ومثل الدولة فى المعرض الدولى الثامن للاختراعات، وحصل على المركز الأول والميدالية الذهبية، واحتفظ مصطفى بجنسيته المصرية ورفع علم مصر مع الإمارات.
عندها فقط قامت الدنيا وقام «القاعدون على قرافيصهم»، وبدلا من أن يلوموا المسؤولين عن إهمالهم وطناشهم انهالوا على الشاب شتما واتهاما بالخيانة وأنه باع نفسه وكأن الشاب ذهب تاركا العروض التى انهالت عليه فى بلده.
وكلنا يعلم ما يجرى مع المخترعين والمبتكرين الذين يدوخون السبع دوخات على مكاتب براءات الاختراع لحفظ ملكيتهم الفكرية، ثم «عشرين دوخة» على الجهات الرسمية والبيروقراطية التى تعطيهم ظهرها. وأن المجتمع رسميا واستثماريا غير مهتم بالموضوع، فقط نواصل لطم الخدود وشق الجيوب على أهمية البحث العلمى، مصطفى الصاوى تعرض لحملة تتهمه بالخيانة لأنه قبل دعم الإمارات، ومن لاموه لأنه سافر للإمارات ما كانوا يفعلون، لو أنه سافر لأوروبا أو أمريكا. الشاب يقول إنه عندما كان يسافر لتمثيل مصر، يضطر لتخليص أوراقه بنفسه والآن فى الإمارات يفعلون له كل شىء ليتفرغ لاختراعاته، وفى مواجهة حملة اتهامات غير مبررة قال : «مصر ستظل الوطن الأم.. لكنى اعتزم استكمال مشروعاتى العلمية بالإمارات.
قصة مصطفى نموذج لما يواجهه عشرات مثله، بعضهم ينجح فى السفر للخارج أو ينتهى للإحباط، ولا توجد جهة تهتم بالابتكار والاختراع مثلما هو معمول به فى العالم. وهو ما تفعله الإمارات العربية، حيث تسعى لدخول العصر بتدعيم للعلم والابتكار. ولايمكن لوم مصطفى لقبوله دعم الإمارات وحسنا أنها الإمارات، وهى دولة شقيقة لم تشترط على الشاب ترك جنسيته، ومن حق الإماراتيين أن يفتخروا بأنهم يشجعون البحث العلمى. ولا يجدون حساسية فى التقاط الموهوبين، ونحن نعلم أن أمريكا وأوروبا يفعلون ذلك.
كنا يوما نفعل ذلك، كانت حضارة وقوة وتقدم مصر تتم بتطوير التعليم وإرسال البعثات واحتضان المتفوقين والموهوبين، من مصر والوطن العربى ممن قدموا الإنجازات الثقافية والفكرية والعلمية. ولا يمكن لوم الأشقاء فى الإمارات وهم يدعمون العلم والابتكار، وربما يمكنهم تدعيم الموهوبين والمبتكرين العرب، بدلا من تركهم ليهاجروا إلى أوروبا. الإمارات رصيد لنا وللعرب، ينفقون على العلم بعد عقود كنا نشكو من سفه إضاعة الثروات بلا طائل.
لا لوم إذن على الإمارات، ولا على مصطفى ولا أى موهوب، واللوم على نظام بيروقراطى متكلس لم يدرك بعد أهمية العلم، وربما بدلا من أن نترك الباب لغاضبين بلا فعل، أو محبطين يروجون لـ«مافيش فايدة» أن نبدأ فورا بناء منظومة يمكنها اكتشاف ودعم المواهب، الدولة ورجال الأعمال. ونعرف أن التقد بالعلم وليس بالفهلوة والمحسوبية.