هل سألت نفسك من هم الذين يتصدرون المشهد العام فى مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن؟، وهل سألت نفسك لماذا صمت الجميع عندما هرب خيرة شباب مصر للخارج للبحث عمن يقدر عبقريتهم بعد أن تقزم كل شىء فى مصر، ولم يعد هناك عملاقة إلا من ارتدى ثوب مراهقى يناير، وأصبح ناشطًا أو ثائرًا مزيفًا؟، وهل سألت نفسك لماذا احتلت أخبار صدر «صافيناز» وهز بطن «شاكيرا» الصفحات الأولى وموقعى التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر»؟، وهل سألت نفسك لماذا أصبح الحديث عن «عوالم» مصر أهم من الحديث عن «علماء» مصر؟
بالتأكيد جميعنا سيعجز عن تقديم إجابة سليمة، بل سنلف وندور ولن نصل إلى إجابة حقيقية تشفى صدورنا المملوءة بالأحزان، خاصة أن الأحوال فى مصر مازالت متجمدة ومحلك سر. والحقيقة أننا كنا فى عهد الرئيس المخلوع مبارك نتهم الحكومات وسياسات مبارك بأنها وراء هذا التجمد، ولكن بعد خلع مبارك اكتشفنا أن العيب فى شعبنا الذى لا يملك حلولًا حقيقية لمشاكله، وأن هذا الشعب ينتظر قوة خارقة ليحقق أحلامه، وللأسف مازلنا ننتظر من يضع حلولًا لكل الكوارث التى حلت بنا منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن.
هذه هى الصورة التى دفعت المخترع الصغير مصطفى الصاوى إلى الفرار من مصر، والحصول على جنسية أخرى لكى يستطيع تحقيق أحلامه العلمية التى فشل فى تحقيقها فى مصر، بل واستخفاف المسؤولين بعبقريته.. مصطفى لم يجد إلا السخرية من بعض الفاشلين فى الجهاز الحكومى بالدولة الذين لم يقدروا عبقرية هذا المخترع الذى وجد تكريمًا ورعاية واحتضانًا فى دولة الإمارات الشقيقة، والنتيجة هى تمثيل دولة الإمارات فى كل المحافل الدولية، بعد أن حصل على الجنسية الإماراتية، وفوزه بالعديد من الجوائز على اختراعاته التى كان يتمنى أن ينفذها فى بلده الأم مصر، ولكن لأن مصطفى ليس من شلة العوالم أو ممن يطلقون على أنفسهم نشطاء، فإنه لم يحظَ باهتمام أى مسؤول فى الدولة.
إذن، نحن أصبحنا بلد نشطاء وعوالم وبس، وتدهورت أحوال البلاد والعباد، ولم يعد هناك علم أو أخلاق فى بلد يهرب منه علماؤه، وللأمانة فإن هروب العقول المصرية لم يبدأ بعد يناير، لكنه كان موجودًا منذ أواخر حكم مبارك، لكنه ارتفع بصورة كبيرة بعد الإطاحة به، وتولى جماعة الإخوان الحكم، وظلت معدلات الهروب فى ارتفاع حتى بعد القضاء على حكم محمد مرسى والإخوان فى 30 يونيو 2013، وبالرغم من أن مصر الآن تشهد نوعًا من الاستقرار الذى لم تشهده منذ 25 يناير 2011، فإن الجهاز الإدارى الذى يتحكم فى مصر الآن مازال جهازًا عقيمًا، يصيب كل من يفكر فى اختراع بإحباط يجعله يهرب خارج البلاد، وهناك الآلاف من العباقرة المصريين الذين فشلوا فى الحصول على فرصتهم فى مصر، ويستعدون الآن للهروب للخارج للحصول على فرص فى دول تقدر قيمة العالِم، دول صوت العلماء والمخترعين فيها هو الأعلى وليس صوت العوالم والصاجات، دول تختفى فيها برامج التوك شو والشتائم وتظهر فيها برامج العلم والأدب، وليست دولًا عاشت وهم أنها صنعت ثورة لكى تخلع رؤساءها، والحقيقة أنها خلعت الأخلاق والقيم من داخلها، دولًا لا يجد أمثال مصطفى الصاوى مكانًا فيها، لأن كل الأماكن تم حجزها لصافيناز وشاكيرا ولأصحاب الصوت العالى والعقول الخاوية.. لهذا كله فإننى كنت من الذين رحبوا بفرار مصطفى الصاوى من مصر لبلد آخر يقدر عبقريته، فهل نصحو من نومنا العميق حتى لا نفاجأ بكارثة حقيقية، هى تفريغ مصر من أصحاب المواهب والاختراعات لصالح أصحاب هز الوسط والصدر من عوالم شارع محمد على.