شراء الأصوات العلنى محبط
وضعت الانتخابات أوزارها، لكن أوزار السياسة لم تنته بعد، وسوف تستمر فى شكل وتركيبة المجلس ونوابه.. النتائج حتى الآن تكشف عن الكثير من الخلل، فضلًا على ذيول معارك سياسية بدأت على خلفية الانتخابات، ربما تتواصل ما بعد الانتخابات، وترتيب مجلس النواب، وتتجاوز معارك الإعادة التى سوف تحسم الأسبوع المقبل، ولعل أكثر ما يثير الخوف والإحباط هو ظاهرة شراء الأصوات علنًا فى كثير من الدوائر دون أى إجراءات ضد مرتكبيها.
ومجلس النواب الحالى هو أكثر المجالس التى تعثرت وتأخرت وواجهت عراقيل وطعونًا، وما تزال حالة عدم الرضا تفرض نفسها على الواقع، سواء على تقسيم الدوائر أو القوائم المطلقة التى جمعت «الشامى على المغربى»، من خليط غير متجانس يذكرنا بتركيبة الحزب الوطنى الذى كان تجمعًا سياسيًا ومصلحيًا أكثر منه حزبًا له أهداف وبرامج واضحة.
لمعت قائمة التحالف الجمهورى بقيادة تهانى الجبالى فى اللحظات الأخيرة للمرحلة الثانية من الانتخابات، لكن اللمعان جاء ضمن معركة شنتها بشكل حاد ومفاجئ على قائمة «فى حب مصر»، فيما يبدو أنها معركة سوف تستمر لفترة، وقد تصل إلى القضاء، وهى أول مؤشر على فرز سياسى لتيارات وأحزاب وتوجهات سياسية. التحالف الجمهورى اختفى فى المرحلة الأولى من الانتخابات، وظهر فقط فى المرحلة الثانية، وبالتالى لم يتعرف الناخبون جيدًا على التحالف ولا برنامجه، خاصة أن القوائم عمومًا لم تكن واضحة بالنسبة للناخبين، لم يعرف لها برامج أو توجهات سياسية واضحة، وإنما مجرد تجمعات انتخابية لا رابط بين أعضائها سوى اسم القائمة، سواء قائمة «فى حب مصر»، أو قائمة «مستقبل وطن» التى حققت نتائج معقولة مع أنها لم تكن معروفة حتى ما قبل الانتخابات بفترة بسيطة.
قائمة التحالف الجمهورى ظهرت فى المرحلة الثانية، وظهرت أكثر خلال الانتخابات عندما ظهرت المستشارة تهانى الجبالى، واتهمت «فى حب مصر» باستخدام المال، وقبلها تم اتهام قائمة التحالف الجمهورى بضم شيعة، والتنسيق مع الحرس الثورى الإيرانى، وهى اتهامات لم يكن هناك ما يسندها، واضطرت تهانى الجبالى للخروج واتهام «فى حب مصر» بالتحالف مع الإخوان، وهى المعركة التى ماتزال أصداؤها تتردد فى الأجواء حتى بعد انتهاء الجولة الأولى، وخروج قائمة التحالف الجمهورى من السباق.. واضح أن تهانى الجبالى تصر على مواصلة معاركها، وربما تكون بداية لتشكيل حركة معارضة فى مواجهة «فى حب مصر»، وسوف يستمر تأثيرها.
التحالفات الانتخابية خليط سياسى غير متجانس، يضم شخصيات من الحزب الوطنى السابق والتكتلات الانتخابية السابقة مع الشخصيات السياسية التى ظهرت على السطح بعد 25 يناير، سواء ممن لمعوا فى الإعلام أو فى السياسة دون وضوح للاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية، وبعضها طفا بعد 30 يونيو.
ثم إن ظاهرة شراء الأصوات ظهرت بشكل كبير وعلنى فى كثير من الدوائر من دون أن تجد من يواجهها، ولا نعرف كيف يمكن للجنة العليا للانتخابات أن تتعامل مع هذه القضية التى تمثل خطورة على العمل السياسى.. صحيح أن بعض من اشتروا أصواتًا فشلوا فى المرحلة الأولى، لكن ما تزال الإعادة فى المرحلة الثانية، وقد تنتج نوابًا اشتروا مقاعدهم بالمال، وهو أمر أثار إحباط كثيرين ممن رأوا أن المال يحطم أى أمل فى تجربة ديمقراطية، مع ملاحظة أن شراء الأصوات جزء من ظاهرة «المال السياسى»، وهى أوسع، وهناك الكثير من التحركات تكشف عن تدخل واضح للمال فى الانتخابات، بدءًا من بناء وتشكيل القوائم، وصولًا لتمويل حملات مرشحين خاضوا الانتخابات مستقلين، وهو ما يشكل أزمة إحباط لأنه يجعل المال اللاعب الرئيسى والحاسم فى أى عملية سياسية قادمة.