لا أحد يزايد على المواقف الوطنية للمستشارة
ما حدث من هجوم وهجوم مضاد ومشادات وتلاسنات بين المستشارة تهانى الجبالى مؤسسة قائمة «التحالف الجمهورى» فى الانتخابات البرلمانية الحالية خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية وبين قائمة «فى حب مصر»، يؤكد حقيقة أن المناخ السياسى فى مصر هو مناخ ملوث ومشوه ومشحون بالأمراض السياسية التى اعتقدنا أننا تخلصنا منها أو على الأقل تجاوزناها، والخلافات فى وجهات النظر أو الانتقاد والهجوم من طرف فى معركة سياسية وانتخابية أصبح لا يطاق من الطرف الآخر ويتم الرد عليه بما يتجاوز الأعراف والتقاليد السياسية والأخلاقيات العامة، واستخدام مفردات وكلمات لا تعكس ثقافة سياسية معينة من المفترض أن تتحلى بها «النخبة» أو قادة رأى أو نواب سوف يمثلون الشعب ويدافعون عن قضاياه فى البرلمان المقبل.
المعركة بين الطرفين، وخاصة الهجوم المضاد على المستشارة تهانى، يبعث على القلق والانزعاج، فالمسألة تتعلق باتهامات تراها الجبالى اتهامات موضوعية خطيرة وتتعلق «بالأمن القومى» وباتصالات قام بها قادة فى قائمة «حب مصر» بشخصيات تنتمى لجماعة الإخوان الإرهابية وبخاصة لقاء بعض رموز القائمة برئيس الجالية المصرية فى الكويت عزمى عبدالفتاح الذى عرضت له فيديو يدافع فيه عن رئيس جماعة الإخوان المعزول محمد مرسى، وعن إعلانه الدستورى الاستبدادى، وينتقد حل مجلس الشعب السابق، وهو ما ترى بأنه تورط مباشر مع الجماعة الأرهابية ويؤشر بأن هناك اتصالات وحوارات أخرى تتعلق بما أشيع عن محاولات إعادة الجماعة للحياة السياسية مرة أخرى.
المعركة ربما بدأت شرارتها فى الجولة الأولى بعد الأقاويل التى ترددت حول عمليات التمويل والمال السياسى فى الانتخابات البرلمانية الحالية ومسألة دعم أصحاب الأعمال لقوائم معينة، وهو ما أثار غضب قائمة التحالف الجمهورى ومؤسستها المستشارة تهانى الجبالى.
وهو غضب مبرر واتهامات طبيعية فى أجواء تنافسية شرسة وكل قائمة وكل مرشح يسعى بكل الوسائل للفوز، والحصول على مقاعد البرلمان. وكان يجب الرد عليه بموضوعية وتوضيح للحقائق بدلا من التهديد والوعيد وإلقاء الاتهامات الجزافية وتوجيه كلمات واستخدام مفردات لا تليق بنخبة سياسية ستقود المشهد السياسى القادم فى مصر ومحسوبة على تحالف 30 يونيو، وبالتالى التلاسن وتبادل الاتهامات بهذا الشكل الذى لا يصب أبدا فى المصلحة الوطنية ويخرج عن إطار المنافسة الانتخابية وسخونتها.
المفترض أنه إذا كانت هناك اتهامات واضحة وصريحة وموثقة لطرف ما، فعليه الرد عليها بوضوح للرأى العام لأنها اتهامات تتعلق بالمستقبل السياسى لمصر وبشكل التحالفات السياسية تحت قبة البرلمان، وبسمعة شخصيات سياسية وبأحزاب داخل القائمة بدلا من ردود عشوائية وباتهامات شخصية تصل إلى حد التجريح الشخصى.
للأسف، خلافاتنا السياسية يغيب عنها فى كثير من الأحيان العقل وتتحكم فيها المزايدات السياسية على الوطنية والانتماء الوطنى وإعادة إنتاج اتهامات قديمة بالخيانة والعمالة وبالخروج عن الانتماء والمطالبات بالشطب وباللجوء إلى النائب العام.
المعركة بالفعل لا تبشر بالخير ولا تمنح الأمل فى برلمان يقع على نوابه مسؤولية التشريعات ومناقشة القوانين وتحويل مواد الدستور إلى مواد قابلة للتطبيق والتنفيذ، وتحقيق طموح المصريين فى العدالة الاجتماعية ومواجهه قضايا الفقر والبطالة.
ولا أحد يزايد على المواقف الوطنية للمستشارة تهانى الجبالى وتحملها وحدها معركة الدفاع عن هوية مصر ضد تيار الاستبداد الدينى وما دفعته من ثمن سياسى نتيجة مواقفها التى لم تتنازل عنها ولم تساوم للحفاظ على منصبها كنائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، فالسيدة لديها تحفظات وملاحظات على أداء المعركة الانتخابية وما يشوبها من مخالفات جسيمة فى مسألة التمويل والإنفاق والدعم، وهذا حقها الطبيعى، وحقها فى طرحه على الرأى العام، وعلى الطرف الآخر الرد على هذه التحفظات والاتهامات.