حلم فـ«ننام».. أم كابوس فـ«نفزع»؟
هذا المقال نشره الكاتب الكبير الدكتور محمد المخزنجى بتاريخ 4 مارس 2010، بعنوان : «كابوس مصر النووى» ولكن لأن اليوم يشبه البارحة، ولأن مصر تستعد للدخول إلى النادى النووى أو قل «مركز الشباب النووى» سأعيد نشر مقتطفات من المقال «لظروف المساحة»، لأن الخوف شعور إنسانى.
أزعم أن لى حقا خاصا فى القلق مما أسماه البعض «حلم مصر النووى»، والذى أخشى أن يكون كابوسا أبشع فى احتمالاته المتشائمة من كابوس كارثة تشرنوبل التى شاء لى القدر، ليس فقط أن أعايشها، بل أدخل فى قلبها، ثم إننى استطعت التسلل إلى مدينة بريبيات التى كان يسكنها خمسون ألفا من أُسر العاملين فى مفاعل تشرنوبل بعد إخلائها، ورأيت كيف تتحول مدينة معمورة بالحياة والأحياء، إلى مدينة أشباح تصفُر فيها الريح وتتوحش النباتات والحيوانات المهجورة.
رصدت فى الأيام الأولى عقب الكارثة القطارات والطائرات والباصات التى راحت تحمل مئات آلاف الأطفال من عمر الرضاعة حتى سن السادسة بعيدا عن أمهاتهم فى المنطقة التى لفحها الإشعاع، وتابعت جهود دولة جبارة تحاول احتواء أول رعب نووى مُعلن عنه تعيشه البشرية بلا حرب، وهى جهود نحن أبعد ما نكون عن إمكاناتها التقنية والبشرية والعلمية والمادية.
حلم مصر النووى ما هو إلا شراء مفاعل بنظام تسليم المفتاح، كما لو كان مبنى تجاريا أو سكنيا، ويبدو أن هذا الاستعمار «النووى» لن يكون إلاّ من دول لا نجهل عمق علاقاتها بإسرائيل التى لن تهنأ أبدا بامتلاكنا لأى قدرة مهما كانت سلمية وتنموية، ولن تكف عن دس سمومها وألغامها فى أى كعكة نشتريها. وأخطر من ذلك كله، هو السؤال عن الكوادر المصرية التى ستشارك فى إدارة الحلم «تسليم المفتاح»، خاصة كوادر الحفاظ على الأمان النووى.
المفاعلات النووية ليست لعبة دعاية انتخابية، ولا غَزَل مُرائى لغوغائية الجماهير، ولا سبوبة صفقة مع هذه الدولة أو تلك، ولا مقايضة تحت طاولات السياسة العشوائية.
هل نحن فى واقع علمى وأخلاقى يجعلنا مطمئنين للدخول فى هكذا مُخاطرة؟ من حقى أن أسأل كشاهد عيان على كارثة نووية، فأنا أب لأولاد مثل ملايين الآباء الذى يريدون الاطمئنان على مستقبل ينبغى أن تتسلمه الأجيال القادمة بلا مخاطر يصعب احتواؤها، فيكفى ما سنتركه لهم من مآزق صنعتها أيادى حفنة من النافذين قليلى الكفاءة ومتصحرى الضمير.
إذا لم يكن الأمان النووى لبلدنا جديرا بحوار مجتمعى واسع وعميق ومتخصص وناقد، فما هو الجدير بذلك؟ مباريات كرة القدم، ولعبة شد الحبل؟!
إنها مفاعلات نووية أيها الناس.. يا كُلّ الناس.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة