كما قال شاعرنا العربى أبوالطيب المتنبى «كم بمصر من المضحكات المبكيات لكنه ضحك كالبكا».. فنحن فى أزمة اقتصادية حقيقية ونحتاج إلى أموال كثيرة لسد العجز فى الموازنة العامة، ولتمويل مشروعات فى البنية الأساسية والمشروعات الكبرى، ولدينا من الموارد الضائعة والثروات المهدرة الكثير، ومع ذلك نلجأ للطريق السهل وهو الاقتراض من الخارج، سواء من البنك الدولى أو الصندوق.
مفارقة مضحكة ومبكية فى الوقت ذاته، وحتى نوضح ذلك نشير إلى بعض الأرقام التى تكشف المفارقة، فالحكومة سعيدة جدا بإنجاز قروض من مؤسسات النقد والدعم الدولية سوف تصل إلى نهاية العام إلى 3 مليارات دولار، وتتفاوض حاليا على ما يعادل 8.5 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، ولأول مرة سوف تستعين الحكومة بقرض البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقية لدعم الموازنة وسد العجز قبل نهاية ديسمبر المقبل، بواقع مليار دولار كل عام، وهو الحل السريع والمريح التى لجأت إليه الحكومة.
ومع تقديرى لمجهود الوزيرة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، ونجاحها فى إنجاز تلك القروض التى تعد بمثابة شهادة ثقة دولية للاقتصاد المصرى، فى إطار الدور المنوط بها فى الوزارة، فهناك سلبيات كثيرة من وراء تلك القروض والديون فى وقت تعانى فيه الدولة من تضخم الدين العام وتجاوزه حد الخطر بحوالى 2.6 تريليون جنيه، وتحقيق عجز فى الموازنة بما يساوى %11.5 من إجمالى الناتج المحلى، فالقروض ليست حلا كافيا ومرضيا لعجز الموازنة أو لأزمة الدولار دون اتخاذ إجراءات وتدابير جذرية طالب بها الخبراء والمتخصصون الاقتصاديون فى مصر وفى الخارج.
فهل القروض هى الحل، ومن سيتحمل سدادها، وخاصة أن حجم الدين الخارجى يتجاوز 48 مليار دولار؟ ربما تساعد القروض الحكومة فى تجاوز الفترة الصعبة الحالية، لكن ماذا عن الإجراءات والتدابير الأخرى لتوفير مصادر للتمويل.
فليس بالقروض وحدها تحيا اقتصاديات الدولة، إنما بتدابير وقرارات داخلية حاسمة للحفاظ على الموارد والثروات.
الحكومة ابتعدت عن الطريق الصعب فى حصر موارد وثروات الدولة المهدرة، وتحصيلها لصالح سد العجز، أو دعم الموازنة، أو تمويل المشروعات، ولا تفكر بشكل جدى وحقيقى فى استرجاع تلك الثروات، فعلى سبيل المثال، تشكلت لجنة لاستعادة الأموال المهدرة فى أراضى الطرق الصحراوية على الطرق الرئيسية الثلاثة، وتم الإعلان عن جدول زمنى لاسترداد مستحقات الدولة فى هذه المخالفات، ولم نسمع عن اللجنة ولا عن الجدول الزمنى بعد ذلك، ووزير الزراعة الجديد عصام فايد يؤمن بفضيلة الصمت، وعدم الحديث لوسائل الإعلام عملا بحكمة «رأس الذئب الطائر»، فلم نسمع منه أى تصريحات بشأن حجم الأموال المهدرة والضائعة على الدولة بسبب أباطرة الطرق الصحراوية.
ووفقا للأرقام الرسمية تقدر حجم المخالفات بحوالى 142 مليار جنيه تخص حوالى 350 رجل أعمال.. تصوروا 142 مليار جنيه يعنى حوالى 18 مليار دولار لا تريد الحكومة التحرك السريع والعاجل لاستردادها لسد العجز فى الموازنة، ولتمويل مشروعات التنمية دون أن تتحمل الأجيال القادمة عبء سداد الديون وفوائدها، وبشكل شخصى طالبت الرئيس من قبل بانهاء هذا الملف واستعادة أموال طائلة لصالح الدولة باتخاذ قرارات فورية سواء للتصالح، أو لتقنين الأوضاع، أو تسوية المخالفات ودفع الأموال المستحقة، من خلال جدول زمنى قصير المدى. فهل هى مسألة صعبة.
إذن هو بالفعل ضحك كالبكا- كما قال أبوالطيب المتنبى منذ أكثر من ألف عام- ومفارقات من الصعب أن تعثر عليها فى دولة أخرى سوى مصر، فالموارد مهدرة، والثروات ضائعة، ونحن نسعى ونلهث خلف القروض من هنا أو هناك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة