أسبوع واحد فقط، فصل بين ترددهما على «البارات» وشربهما المخدرات، وبين مشاركتهما فى أكبر الحوادث الإرهابية التى هزت العالم مؤخرًا، وهو حادث باريس الإرهابى.. إنهما الإخوان صلاح وإبراهيم عبدالسلام، فالأول اعتاد التدخين وشرب الخمر، وأصبح الآن على رأس قائمة المطلوبين فى أوروبا بتهمة الإرهاب، فيما كان أخوه إبراهيم الذى فجّر نفسه خارج مقهى «كومتور فولتير» متسببًا فى إصابة 3 أشخاص فقط، يملك «بارًا» بمنطقة مولينبيك، فى بروكسل.
الأمر نفسه بالنسبة لـ«حسناء» المغربية التى كانت تشرب الكحول، وتحب الحفلات ولم تقرأ القرآن يومًا، كما أكد شقيقها، ومع ذلك كانت من المعجبين بتنظيم الدولة الاسلامية، وكانت تحلم دائمًا بالالتحاق بالجهاديين المتطرفين، وبالفعل انتهت حياتها بمشهد تفجير نفسها بحزام ناسف بعد ملاحقتها من قبل الشرطة الفرنسية، فهل يشكّل هؤلاء الإرهابيون الجدد نسيجًا مختلفًا من الجهاديين المنضمين للجماعات الإرهابية، فنجدهم يرفعون لواء الدفاع عن الدين، وهم أبعد ما يكونون عنه، وكيف نجح «داعش» فى استقطابهم وإقناعهم للدرجة التى يقتلون فيها أنفسهم بسهولة ودون تردد؟
التحليل النفسى للمنتمين إلى داعش يستلزم التوقف عند عدد من الوقائع التى توضح الصورة كاملة للعناصر المنتمية إليه، والذين تصدر عنهم تصرفات غريبة تشير إلى عدم اتزانهم النفسى، وتوضح مدى التغييرات الجذرية التى تحدث فى شخصياتهم، وتدفعهم إلى التلذذ بزهق أرواح الآخرين، بل وأرواحهم إن لزم الأمر.
وفقًا لمقابلة أجرتها صحيفة «تليجراف» البريطانية مع الدنماركى دانييل رى أوتوسن الذى كان رهينة لدى «داعش» لمدة 13 شهرًا، وتم تحريره مقابل 2 مليون دولار، فقد اعتاد «ذباح» داعش محمد إموازى، الملقب بالجهادى جون، على أن يطلب من «دانييل» رقص التانجو أمامه قبل أن يشرع بركله وتعذيبه، قائلًا: «لقد كان غريب الأطوار، لدرجة إننى لم أجرؤ على النظر فى عينيه من شدة الرعب، لقد جاءنى مرة وسألنى: هل تريد الرقص؟ تعال أرقص معى! ثم انقلب فجأة وبدأ بضربى وركلى، ثم هددنى بأنه سيجز أنفى».
والأمر نفسه بالنسبة للإرهابى سيف الدين الرزقى، منفذ الهجوم الدامى فى مدينة سوسة التونسية، الذى أثبتت التحقيقات أنه كان تحت سيطرة الكوكايين فى أثناء ارتكابه العملية، وحسب شهادات الناجين من المجزرة التى تبناها تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن تصرفات «الرزقى» كانت غير طبيعية، حيث كان يضحك ويأخذ صورًا لضحاياه وهم قتلى!
هذه الشخصيات الغريبة الأطوار تجعل من فهم هذا التنظيم الإرهابى أمرًا معقدًا للغاية، وتثير التساؤل: كيف يختار «داعش» رجاله؟
التدقيق فى شخصية عدد من عناصر «داعش» التى ظهرت إعلاميًا عبر الفيديوهات التى بثها التنظيم مثل أموازى وإسلام يكن، الشاب المصرى، وأبوالبراء الهندى، وغيرهم، توضح أنهم ليسوا من فئة الفقراء والجهلة كما اعتادت التنظيمات الإرهابية السابقة فى تجنيد عناصرها، حيث يتضح أن جميعهم من طبقة المتعلمين، ولكن فى المقابل يحرص «داعش» على ألا يكون لدى هؤلاء ثقافة دينية، بل يعتمد على جهلهم بأصول الدين حتى يتمكن من السيطرة عليهم بدليل الصدمة التى أصيب بها أقارب بعض الإرهابيين، والذين يصرون على أنه لم تكن هناك أى علامات لتشددهم من قبل، كما هو الحال بالنسبة للأخوين صلاح وإبراهيم، فحسب تأكيدات المقربين منهما، وعلى رأسهم زوجة إبراهيم السابقة التى قالت لصحيفة «ديلى ميل» البريطانية إنه كان عاطلًا وكسولًا ومدخنًا لـ«الحشيش»، ولم يذهب يومًا للمسجد!
تلك المعلومات تشير إلى أن «داعش» لا يسعى لتجنيد عناصر متدينة، ولا يهمه تعاطيهم المخدرات، أو عدم ترددهم على المساجد وقراءتهم القرآن، إنما ما يهمه هو كيف تسيطر عليهم، وكيف يحقق هؤلاء أهدافها، وبالتالى تلعب على وتر القيم المخادعة التى تحاول غرسها فى نفوسهم، والمتمثلة فى أن تخلق لهؤلاء كيانًا يجعلهم يشعرون بأنهم يفعلون شيئًا له قيمة، ويكفرون من خلاله عن ذنوبهم، ويدخلهم الجنة بعد الضياع الذى كانوا يعيشون فيه.
ولعل الكلمات التى قالها أبوبراء الهندى، وهو أحد الإرهابيين الذين ظهروا فى فيديو لـ«داعش» تحت عنوان «لا حياة من دون جهاد»، والتى قال فيها: «هل أنت على استعداد للتضحية فى سبيل الله بمنصبك الكبير وسيارتك الضخمة وعائلتك؟، فإلى كل إخوانى الذين يعيشون فى الغرب، أنا أعلم كيف تشعرون، لأننى كنت أعيش هناك.. فى قلوبكم تشعرون بالاكتئاب، وعلاج الاكتئاب هو الجهاد.. يا جميع إخوتى، تعالوا إلى الجهاد لتشعروا بالشرف والسعادة التى نشعر بها».
أبوالبراء الهندى كما هو معروف عنه، هو أحد المهاجرين إلى بريطانيا، ويتضح من كلماته أنه لم يستطع تحقيق شىء فى حياته بعد هجرته إلى بريطانيا، الأمر الذى لم يشعره بالسعادة التى يشعر بها فى ظل انتمائه لهذا التنظيم الإرهابى، وحسب تعريف المعهد الأمريكى للصحة العقلية، فمرض الاكتئاب النفسى هو عبارة عن «خلل فى سائر الجسم يشمل الجسم والأفكار والمزاج، ويؤثر على نظرة الإنسان لنفسه ولمن حوله من أشخاص، وما يحدث من أحداث، بحيث يفقد المريض اتزانه الجسدى والنفسى والعاطفى، وبمعنى آخر هو مزيج من مشاعر الحزن، والوحدة، والشعور بالرفض من قبل الآخرين، والشعور بقلة الحيلة، والعجز عن مواجهة مشاكل الحياة».
إذن، فالاكتئاب والشعور بالعجز والفشل والوحدة هو ما يلعب عليه «داعش»، كما حدث مع إسلام يكن، المصرى الذى انطوى عن جميع أصدقائه، بعد وفاة صديقه المقرب له، وابتعد عن المجتمع بأكمله، فانتهى به الأمر إلى حمل السلاح فى صفوف مقاتلى «داعش»، شأنه شأن الكثيرين من المحبطين والمكتئبين الذين لا هدف لهم فى الحياة، ويئسوا من شرب الخمر، ومن تعاطيهم المخدرات، وتوهموا بأن انضمامهم لـ«داعش» سوف يجعلهم ذوى أهمية، ومادام الاكتئاب قد ينتهى بهم إلى الانتحار، فلا مانع من أن يموتوا وهم أصحاب رسالة، بصرف النظر عن أهدافها، وكيفية تنفيذها، حتى وإن كانت رسالة دموية».
علاوة على دغدغة مشاعر هؤلاء الشباب بالقيادة والزعامة، وهو ما توفره الجماعة الإرهابية لهم، فيجدون أنفسهم أمراء وقادة جيش، ويمتثل لأوامرهم الكثيرون، وبإشارة منهم يتحكمون فى أرواح الآخرين، ويجدون تحت أيديهم اقتصادًا قد يعادل اقتصاد دول بأكملها، فحسب ما نشرته جريدة «واشنطن بوست» فإن سيطرة «داعش» على النفط أدت إلى تربحه حوالى 50 مليون دولار شهريًا!، هذا بخلاف السرقات والسطو وأموال الرهائن وغيرها.
كلمات مقتضبة قالها الدكتور قدرى حفنى، أستاذ علم النفس السياسى، لكنها تعكس فعليًا المنطق الذى يجعل مدمن المخدرات فى الوقت نفسه مدافعًا عن دينه، حيث قال: «لكل دين تأويلات عديدة وتفسيرات خاصة، وكل شخص يجعل لنفسه مساحة من التأويلات التى تجعله يرفع لواء الدين حسب منطقه فى الحياة، فالمدمن يرفع لواء الدين، والإرهابى يرفع لواء الدين ويسفك الدماء، وأمريكا ترفع لواء الدين، وأوروبا ترفع لواء الدين، فلا تعارض بين كون هذا الإرهابى يتعاطى المخدرات ويزور البارات وبين الدفاع عن دينه».
وفقًا لـ«العربية نت» فى تحليلها النفسى للإرهابيين فإن «التوليفة» الفكرية الدينية التجنيدية لقادة التطرف تجعلهم يستغلون الوازع الدينى، وأيضًا جملة عوامل نفسية وفكرية تبرر لهم شرعية الجهاد والعنف والفراغ الفكرى والعاطفى، واستغلال غريزتى العنف والجنس، فتوجد أسفل المخ غدة يشترك فيها الحيوان مع الإنسان، وتكون مسؤولة عن العنف والجنس تحت تأثير التغييب الموجه فكريًا، مما يجعل التحكم فى عمل هذه الغدة أمرًا مستحيلًا، وينتهى الأمر إلى إمكان النزوع والانقياد لممارسة العنف ضد الآخر، إلى جانب غريزة الجنس التى تجذب شبابًا عربيًا للجماعات الإرهابية التى تبيح لهم الاغتصاب، والاعتداء على القصّر، بذرائع مختلفة، كالسبايا وملك اليمين وغنائم الحرب، وهى ذرائع لا سند لها فى الدين الإسلامى.
وحسب تقرير منشور على موقع «روسيا اليوم» تحت عنوان «من أين جاء مقاتلو داعش؟»، فى فبراير 2015، فإن مواطنى القارة العجوز تصدروا قائمة مقاتلى تنظيم «داعش»، واستند التقرير لمعلومات نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، جاء فيها أن فرنسا سجلت الرقم الأكبر بـ1200 مسلح خلال الفترة من أكتوبر 2014 حتى يناير 2015، كما احتلت ألمانيا المرتبة الثانية فى تصدير المقاتلين، حيث ارتفع عدد المنتمين فيها لـ«داعش» إلى 600 مقاتل، مقارنة بـ240 مقاتلًا فى العام الماضى.
بينما كانت أعداد المهاجرين من دول الخليج وشمال أفريقيا، باستثناء ليبيا، تكاد تكون منعدمة، وهو ما يجعل للغرب نصيب الأسد من المهاجرين للقتال فى صفوف «داعش»، خاصة مع ارتفاع النسبة أيضًا فى كل من بريطانيا وبلجيكا ونيوزيلندا والسويد وفنلندا والدنمارك والنرويج، مع الوضع فى الاعتبار أن فى هذه الدول يعيش المواطنون حياة مرفهة وهادئة عادة، وهو ما يعضد فكرة أن فقدان الشعور بأهمية ما يقوم به مواطنو هذه البلدان، خاصة المهاجرين إليها، قد يؤتى بنتيجة عكسية تجعله عرضة للانسياق وراء الأفكار الإرهابية.
جهاد الخمر والمخدرات فى «داعش».. كيف يختار تنظيم الدولة الإسلامية رجاله؟.. المحبطون والمكتئبون أول المنضمين لصفوفه
السبت، 28 نوفمبر 2015 05:10 م
اسلام يكن الجهادى المتطرف
كتبت سهام الباشا
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
مستحيل
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد يوسف محمد
داعش او تنظيم الدولة الارهابىةا