6 سنوات ينقصها 4 شهور، تطاردنى الفكرة، أنتظرها كما لو كنت طالب ثانوية عامة على باب لجنة ؤ.. وأبات كل ليلة وأنا أسأل متى يباغتنى يحيى بالسؤال الصعب؟
- انت بابا بتاعك فين.. أنا مشفتهوش خالص قبل كده؟
كانت الثالثة فجرا واستيقظ فجأة وقرر أن يحتضنى ويحدثنى عن أحلامه فى الصعود إلى الفضاء، ثم باغتنى بالسؤال فجأة، لأعرف لأول مرة طعم الضحكة المخلوطة بالدمع.
أستعد للسؤال منذ سنوات، ومن أجله درست مجموعة من الإجابات، ولكن هل سيفهم يحيى معنى كلمة مات؟ حسنا سأخبره بأنه فى السماء عند ربه، وماذا لو سألنى كيف سافر للسماء؟ كيف سأشرح وأحكى.. وعند أى حد أتوقف وأنا المخبول بأبى خبولا يدفعنى لاسترسال لا نهاية له.
استمر يحيى فى طرح الأسئلة: هو اسمه كان إيه؟ أجبته، ليفاجئنى هو وينطقها كاملة كما كنت أود أن اسمعها: «جدو بهمت» وأسبح قليلا فى المتاهة متمنيا لو أن أبى بجوارى يستمتع بفرحة الاكتشاف الأولى، ويسمع مناجاة يحيى وتكراره لاسمه مسبوقا بكلمة «جدو».. ثم يسحبنى يحيى من المتاهة بسؤال آخر قائلا: هو شكله إزاى.. شبهك انت؟!
للأسف يا يحيى لا أحمل من ملامحه الكثير، هكذا أجبت سؤاله بهمهمة خفيفة، ومددت يدى على الهاتف، لأخرج ليحيى صورة أبى وأضعها أمامه فيترك نومه ويضحك كثيرا، قائلا: جدو عنده شنب، ثم يضحك مجددا ويقول: بس جدو بيضحك ليه؟.. فلا أجد من نفسى سوى رد واحد: عشان هو كان بيضحك على طول يا يحيى، عشان هو كان جميل وطيب.. بس هو فى الصورة دى بيضحك عشان مبسوط بيحيى.
نظرت إلى صورة أبى التى أتأملها يوميا، وتفاجئى ضحكة غير التى اعتدت عليها من قبل، أكثر إشراقا، وأكثر بهجة، وكأنها فعلا ضحكة مخصوص ليحيى.
تنزل دمعة ما، وألتفت لأجد يحيى وقد عاد لنومه، أحتضنه وأنا أسأل نفسى: هل تجلت روح والدى وتجسدت فى تلك الصورة الصماء، ونفخت فيها حتى أصبحت قادرة على الابتسام؟
نمت وقد حلمت بوالدى فى مشهد يشبه مشاهد خيال الظل، يداعب يحيى فى ركن ما منفردين، وكلاهما يخبر الآخر عن مدى حبه، وكلاهما يخبر الآخر عن حلمه كما كان يفعل معى تماما وكأن الزمن توقف، ثم صحوت لأنظر للصورة مرة أخرى، فلا أجد سوى الابتسامة القديمة التى اعتدتها من قبل، وكأن ما شهدته ليلا وأنا بجوار يحيى كان عرضا خاصا للحفيد فقط!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة