كلنا يعرف الحاجة إلى الاستثمار كسبيل للتنمية، وأهمية تقديم حوافز للمستثمرين، لكن هناك دائما مقولة «هتديله إيه علشان ييجى ويجيب فلوسه علشان يستثمر عندك». وكثيرا ما نسمع عن حوافز يتم تقديمها لجذب وتشجيع المستثمرين الأجانب. ولم نعرف ما إذا كانت هذه الحوافز نجحت فى جذب استثمارات، ونحن نعرف أن رأس المال يعرف مصلحته، وما يمكن أن يحققه من أرباح وليس من باب أنه مقبل من بلاد أخرى ليساندنا اقتصاديا ويساعدنا على التنمية.
ونحن نعرف أيضا أن هناك أموالا كثيرة من رأسمال محلى خرجت للاستثمار فى الخارج، وبالتالى إذا كان المال الوطنى بالخارج من الصعب على المال الأجنبى أن يأتى إلينا ليساهم معنا فى مسيرة التنمية. لماذا نقول هذا؟ المناسبة أننا نفكر فى تقديم حوافز لرؤوس الأموال ولا نفكر فى تقديم حوافر للرؤوس نفسها، ونقصد العقول والعلماء والخبراء ممن يعيشون ويعملون فى الخارج، ونحتاج إلى خبراتهم وعلمهم الذى هو فى الواقع أفضل رأسمال، وهو الذى يمكنه أن يأتينا برأسمال والتنمية.
هناك إحصائية منسوبة إلى الاتحاد العام للمصريين فى الخارج، منذ عامين تقدر عدد العلماء المصريين فى الخارج بـ86 ألف عالم. يتوزعون فى دول وجامعات العالم، وتخصصات نادرة مختلفة من الطب للفيزياء ومن الذرة إلى تخطيط المدن.
بصرف النظر عن مدى دقة هذا الرقم، نحن نقرأ عن علماء مصريين توصلوا لأبحاث أو دراسات، بعضهم يأتى فى زيارات أو يعرض أفكارا من دون أن يهتم بهم أحد. بالطبع نعرف المشهورين مثل الدكتور زويل أو الدكاترة محمد العريان، أو مجدى يعقوب ومصطفى كامل السيد. وهناك علماء غير مشهورين لكنهم متميزون وعباقرة فى تخصصاتهم.
وأغلب هؤلاء العلماء هاجروا لأسباب مختلفة، ربما غياب فرص البحث العلمى، ناهيك عن التوريث والواسطة والصراعات التى أطاحت بالجامعات المصرية خارج المنافسة. ومع الاعتراف بأهمية رؤوس الأموال وجذبها، هناك اتفاق بين كل الأطراف على أن التنمية لا يمكن أن تقوم من دون التعليم والعلم والخبرة.
كل تجارب النهضة المصرية من أيام الفراعنة قامت أولا على أفكار العلماء، والحضارة الإسلامية فى عنفوانها كانت تقوم على العلماء ممن مانزال نتفاخر بهم أنهم نقلوا النهضة لأوروبا. محمد على عندما فكر فى بناء دولة حديثة، أرسل البعثات لأوروبا. تجربة جمال عبدالناصر فى التنمية والتصنيع قامت على اكتاف خبراء وأساتذة شباب هم من ساهم فى التخطيط والبناء كان بعضهم عائدين من بعثات، وبعضهم تم استدعاؤه ومنحه فرصة ومسؤولية.
ومن هنا فإن أى حديث عن جذب استثمارات من دون جذب عقول وخبرات وتشجيع الابتكار والتفوق لا يجدى، وإذا صحت الإحصائية التى تقول إن هناك 86 ألف عالم مصرى فى الخارج، ومع حذف المبالغات فنحن بحاجة إلى أن نتعرف إلى هؤلاء، ونعرف ماذا نريد منهم؟، وهم مواطنون فى بلادهم لكن كثيرين منهم لديهم أفكار ورغبة فى استثمار أفكارهم وهو استثمار أهم من المال، بل الأفكار والعلم هما من ينميان المال. نحن سمعنا عن مؤتمر للعلماء المصريين بالخارج، لا نعرف إلى أين انتهى، ونعلم أن هناك اتصالات مع بعض علمائنا، وجهود مشكورة من كبار مثل مجدى يعقوب وزيارات زويل. لكنا بحاجة إلى آلية للتعامل معهم، والاستفادة من خبراتهم واستثمار أفكارهم وعدم تركهم للبيروقراطية والتعقيدات. ربما نحن بحاجة الآن لتقديم حوافز للعقول والرؤوس مثلما نفعل مع رأسمال لا يأتى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة