الإعلام كالنار إما يجلب الدفء وإما يشعل الحرائق، ومنذ أن حطت قناة الجزيرة لعنة الله عليها ببلادنا، صارت النموذج القبيح الذى يسير على هديه بعض الإعلاميين، فأصبح عندنا أكثر من جزيرة شيطانية صناعة محلية، تؤجج الفتن وتشعل الحرائق، وأدعوكم وأنتم تشاهدون بعض برامج التوك شوك، أن تغلقوا الصوت وتتفرجوا على بعض المذيعين صورة فقط، واستمتعوا بأحلى توك شو صامت، تشويح باليدين وتلعيب للحواجب، وترقيص للشفتين وتثبيت الكتفين.. وصدقونى جربوا ولن تندموا لتتأكدوا أن المهنة فى خطر.
«لو» عاد بى الزمان 30 سنة إلى الوراء، لرميت يمين الطلاق بالثلاثة على مهنة الإعلام والصحافة، ولكن لأن «لو» تفتح عمل الشيطان، ولأن الزمان لن يعود زى زمان حتى لو قلت للزمان ارجع يا زمان، فإنقاذ المهنة قبل أن يأكلها الوبا زى هنادى، هو الأمل الأخير للأجيال التى ما زالت تحلم بإعلام نظيف، ولكن لا تنتظروا خيرًا من ميثاق الشرف الإعلامى، الذى يعوّل عليه البعض مهمة الإنقاذ، فكل مسودات المواثيق لا تخرج عن كونها مواعظ الأب الروحى، أو خيال المآتة الذى نضعه فى الحقل، فلا يهش الغربان ولا يخيف العصافير، وكلها تمت صياغتها بطريقة «إيه اللى جاب القلعة جنب البحر»، مثل المادة الموجودة فعلا وتقول: «احترام معايير ومبادئ الإعلام الديمقراطى الحر، القائم على المسؤولية الاجتماعية فى ممارسة السياسة التحريرية»، كلام جميل كلام معقول، ولكنه فالصو، لأن الواقع الإعلامى المرير تجاوز ذلك بكثير.
الإعلام خطر وفى خطر، لأن هيئة الاستثمار، وهى الجهة المنوط بها إصدار تصاريح القنوات الفضائية، لا تعرف الفرق بين البرتقال واليوسفندى، ولا تفرق فى شروط الموافقة بين الفضائيات ومصانع الشيبسى.. ولأن الإعلام هو المهنة الوحيدة لمن لا مهنة له، من انتصار حتى أبوحفيظة وبينهما بسمة.. ولأن المذيعين أصبحوا أكثر نفوذا من الوزراء وكبار المسؤولين، فيصرخ المذيع «هاتولى الوزير بسرعة ع التليفون»، والمصيبة أن الوزير بييجى فعلا بسرعة ع الموبايل.. ولأن معايير النجاج وجذب الإعلانات تخضع للتهييج والإثارة والفضائح وانتهاك القيم والأعراض «ولّع سخّن الحلقة نار».. ولأن التمويل غامض وملكية القنوات مجهولة وتثار شبهات حول الاختراق وغسل الأموال.. ولأن القانون فوق الرف ومن أمن العقاب أساء الأدب.