بكل المقاييس سيعيش مجلس النواب القادم أصعب مائة يوم فى الحياة البرلمانية على مدار تاريخ مصر النيابى، سيكون مطالبًا خلالها بإنجاز ما لم ينجزه برلمان آخر، وكلها ملفات صعبة فى الوضع العادى الملف الواحد منها يمكن أن يستغرق شهورًا لكن فى هذا البرلمان الثورى سيكون مطلوب إنجاز أخطر الملفات فى أسرع وقت، فهذه الفترة تحتاج نوابًا من أصحاب اللياقة البدنية العالية والقدرات الذهنية القوية لأنهم سيكونون فى سباق مع الزمن وفى مواجهة مع التحديات، ففى المائة يوم الأولى سيكون مطلوبًا من مجلس النواب الاستقرار والاتفاق أو التوافق على رئيس المجلس ونائبيه، ثم انتخاب رؤساء اللجان ونوابهم ومقرريهم، وقبل أن يلتقطوا أنفاسهم سيكون أمامهم أكثر من 245 قانون بقرار جمهورى صدرت كلها خلال الفترة الانتقالية مطلوب أن يحسم أمرها بـ"نعم" أو "لا" خلال 15 يومًا على أقصى تقدير، والنص الدستورى لم يترك فرصة للترزية فى هذا الأمر وحسمها بشكل قاطع لا يسمح بـ"مط المدة" أو تهريب بعض القوانين من مراجعة البرلمان، بل بعض هذه القوانين لن يكون متاحًا ولا سهلاً أن يتم تمريرها بنقاش شكلى كما يتوقع البعض، وإنما سيجبر المجلس على مناقشتها بعمق وتأنٍ وفى مقدمتها قانون التظاهر، وقانون مكافحة الإرهاب، وفى الوقت نفسه سيكون على المجلس أن يراجع البرنامج المقدم من حكومة المهندس شريف إسماعيل وحسب الدستور فالمجلس ملزم بالموافقة على منح الثقة للحكومة أو حجبها خلال 30 يومًا على الأكثر، فإذا حجبها يضطر الرئيس لتسمية من يرشحة حزب أو ائتلاف الأكثرية، وليس الأغلبية، ليشكل الحكومة ويعرض برنامجه على البرلمان ليقول كلمته خلال 60 يومًا على الأكثر، بما يعنى أن مجلس النواب مطلوب منه أن يمنح الثقة لحكومة والسلام خلال 90 يومًا وإلا سيعتبر بحكم الدستور منحلاً ويدعو الرئيس لانتخاب مجلس نواب جديد، ووسط كل هذا سيكون المجلس ملزمًا بفتح ملفات عديدة لن تنتظر كثيرًا وستجد من يلح ويصر على فتحها فى المائة يوم الأولى وفى مقدمتها مثلا التشريعات الإعلامية والتى من المؤكد أنها لن تمر ببساطة، وكذلك قانونى العدالة الانتقالية وبناء دور العبادة خاصة أن هذين القانونين وفقًا لنصوص الأحكام الانتقالية فى الدستور سيكون المجلس ملزمًا بإصدارهما خلال أول دورة انعقاد له، ناهيك عن معركة تعديل الدستور التى أعتقد أنها لن تنتظر طويلاً داخل البرلمان وسيسارع المتحمسون لها بطرحها مبكرًا، وبجانب كل هذا سيكون هناك طلبات الإحاطة والأسئلة والاستجوابات التى يجهزها عشرات النواب من الآن بعضها موضوعية وعاجلة، وبعضها لزوم الظهور السريع.
كل هذا يتطلب أن يكون النواب على قدر المسئولية ومستعدين لهذه الفترة التى ستكون مرهقة، وتحتاج لتفانى وعمل جماعى وقدر كبير من التوافق ونسيان الخلافات الشخصية ولو لبعض الوقت، والتركيز على مصلحة البلد وما يحقق طموحات الناس، وعلى كل النواب أن يعلموا أن المائة يوم الأول ستكون حكم على أدائهم ومستوى برلمان الثورة، وهل فعلا ولد مشوها كما يردد البعض أم أنه برلمان قوى ومعبر عن الناس، ولكى يثبتوا أنهم الأحق بلقب نواب الشعب عليهم اثبات قدرتهم على المناقشات الموضوعية دون تزيد أو تساهل، وكذلك دون أصوات عالية أو شتائم وتصفية حسابات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة