يحتاج المرء من وقت لآخر إلى أن ينظر خلفه، ليتأمل ما سبق من الرحلة، وينعش ذاكرته ضد آفة النسيان التى هى آفة حارتنا، كما يقول نجيب محفوظ. والحقيقة ما شجعنى على ذلك مقال لصديقى ورفيق المشوار عماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق، فى مقال له عن عمرو الشوبكى منذ أيام، يرد على من اتهموه خلال معركته الانتخابية الأخيرة أنه «إخوان»، وهو ما جعلنى أضحك ملء شدقى من هذه الفرية. إننى صدمت بخروج عمرو من السباق على عدة أصوات هى أقل من عدد الأصوات الباطلة، لكن فى كل الأحوال كان هدفى من هذه السطور أن أتحدث عن عمرو الشوبكى الذى أعرفه، وأذكر أنه فى أواسط الثمانينيات من القرن الماضى دخلت كلية الإعلام، جامعة القاهرة، وكانت الكلية الوحيدة للإعلام فى مصر كلها، ولم يكن يدخلها إلا أوائل الجمهورية، وكانت الكلية تحتل الطابق الرابع من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكنا بالطبع نلتقى طلبة السياسة، وكان بينهم ممن سبقونا عمرو الشوبكى، وأحمد ثابت، وضياء رشوان، وغيرهم. وللأمانة عمرو وسط كل جيله دخل قلوبنا بأسلوبه ورقته وأخلاقه وتواضعه وثقافته، ورغم أنه كان يبدو «ابن ناس» جدًا، من ملابسه وسيارته التى هرسناها له فيما بعد، كان يبدو لنا أرستقراطيًا جدًا، وهذه حقيقة، لكنه كان يتكلم بحماس عن عبدالناصر، والعدالة الاجتماعية، والاشتراكية بأنواعها، والقومية العربية، وبعد عدة جلسات عرض علىّ أن أدخل نادى الفكر الناصرى لأحضر الندوات والمناقشات، وأعترف أننى وجدت داخلى ميلًا لكثير من هذه المناقشات الثرية، أكثر من ميلى لندوات الشيوعيين أو الإخوان داخل الجامعة أو خارجها. فيما بعد رشحنى عمرو لأكون رئيس النادى، ثم رشح إبراهيم عيسى. وأذكر أنه كان معنا ياسر رزق، وعماد حسين، وإبراهيم منصور، وأسامة خليل، وخالد طلعت، وحسن يوسف، وحسن عبدالفتاح، وخالد الصاوى من الحقوق.
المهم أننى دخلت بيت عمرو الشوبكى ومعى معظم هذه الأسماء، وكان بيت كرم، كثيرًا ما سهرنا فيه وأكلنا وشربنا وسرقنا كتبه أيضًا، وأذكر أننا خرجنا بمظاهرة من الجامعة إثر اغتيال سليمان خاطر، وكان الأمن يتبعنا، فدخلنا منزل عمرو فى شارع مراد بالجيزة، وهمست له قائلًا: أشعر أننا جميعًا إبراهيم «عمر الشريف فى فيلم فى بيتنا رجل»، وأنت حسن يوسف، ضحك وقال: «واضح إن الزمن ماتحركش».. تخرجنا وذهب عمرو للحصول على الدكتوراة فى العلوم السياسية من السوربون بفرنسا على نفقته، وكان موضوعها عن الإسلام السياسى.. عاد كما هو لم يتغير، كتاباته فى الأهرام، مركز الدراسات، أو غيرها من الدوريات بذات القناعات، وعندما قرر أن يخرج من باب المفكر السياسى للواقع ليمارس دوره بإيجابية هاجمه الإخوان، وشنوا حملة ضده، لأن منافسه كان الإخوانى عمرو دراج، ومع ذلك سحقه.
هذا هو عمرو الشوبكى الذى يحتاج لعشرات المقالات لأوفيه حقه.. مفكر ومثقف وطنى مصرى يحلم بأفكار روسو وفولتير عن الحرية والعدالة والمساواة، ويؤمن بالفاروق عمر بن الخطاب وعدله، واشتراكية أبى ذرالغفارى وزهده، وتواضع غاندى، ووطنية عبدالناصر، .. صديقى عمرو لا تكتئب، وإياك أن تعتزل العمل العام لأنك علمتنا أن المعركة طويلة، ولن يصح إلا الصحيح.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة