هل يستطيع الموتى أن يُبعثوا من قبورهم ليحكوا الحقيقة؟ نعم سيفعلون حين تقوم الساعة ويحيى الله الموتى، ولكن فى الدنيا قد تفعل السينما ذلك، قد تحيى الموتى ونراهم ونسمعهم يحكون حكاياتهم، أو على الأقل جزءًا منها.
«الأسطورة» هو عنوان الفيلم الإنجليزى الذى يُعرض حاليا عالميا وفى مصر فى توقيت واحد، ليحكى قصة حقيقية عن التوأمين ريجى ورونى كراى أشهر عصابات لندن فى فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضى، الفيلم مأخوذ عن كتاب بعنوان «مهنة العنف» لكاتبه جون بيرسون، وأخرجه براين هيلجلاند، وقام ببطولته النجم الإنجليزى توم هاردى، وشاركته البطولة الممثلة البريطانية إيملى براوننج فى دور حبيبة وزوجة ريجى كراى أحد التوأمين.
الفيلم تحكى أحداثه الزوجة رغم أنها انتحرت قبل نهاية أسطورة التوأمين، وهو يحكى عن توأمين أحدهما متزن طبيعى رغم إجرامه وعنفه، أما الآخر فهو مريض نفسى بالفصام والعنف وشاذ جنسيا ويسبب كثيرا من المشكلات لأخيه، ورغم هذا فهما لا يفترقان ولا يسمحان لخلاف أو مشكلة فى فراقهما، وتبرز الأحداث قصة الحب الرومانسية بين ريجى وفرانسيس التى كانت فى السادسة عشرة من عمرها وتزوجته رغم رفض أمها، آملة أن يترك حبيبها حياة الإجرام ويعيشا حياة مستقرة طبيعية، ولكن بلا فائدة، فريجى يتحول من مجرد مجرم صغير لأحد أقطاب الجريمة العالمية، وتنتهى قصة حبهما بانتحارها فى عام 1967، وككل الأفلام التى تحكى عن الجريمة المنظمة فى العالم، هناك الأحداث التى تربطها بعلاقات مع سياسيين وكثير من رجال الدولة فى شكل فضائحى كما يحكى الفيلم، فبعض رجال مجلس النواب الإنجليزى وأعضاء الحكومة كانوا من مرتادى حفلات المجون والشذوذ التى يقيمها رونى كراى، ويوثق الفيلم لعلاقات المافيا الأمريكية بالجريمة المنظمة البريطانية، فالجريمة المنظمة فى أى بقعة فى الأرض لا يمكن أن تتعامل بمعزل عن الجريمة العالمية.
وينتهى الفيلم بالقبض على التوأمين بعد سنين من العنف، ويموت أحدهما فى السجن بالسرطان، ويموت الآخر فى مصحة عقلية.
أفلام السينما التى تحكى عن عالم الجريمة المنظمة لها تاريخ وربما أكثرها شهرة هى سلسلة أفلام الأب الروحى، وعادة ما يُقبل عليها الجمهور، كما يتم التعامل معها فى التقييم الفنى باحترام وتقدير لو أنها كانت على مستوى فنى يستحق، فقد افتتح مثلا مهرجان تورونتو هذا العام فعالياته بعرض فيلم الأسطورة، ونال إعجاب الجمهور والنقاد معا، أما بطل الفيلم البريطانى توم هاردى فقد كان من أبرز عناصر الفيلم حيث استطاع أن يؤدى شخصيتين مختلفتين تماما وإن تشابها فى الملامح وهو أمر ليس بالسهل على الإطلاق ونجح بالفعل فى إقناع المشاهد بأنه اثنان وليس ممثلا واحدا.
فيلم يستحق المشاهدة ليس لجودة عناصره فقط، ولكن لأنه يؤكد لنا أن الله كما خلق الشر فى عباده خلق فيهم الخير ولكن بدرجات، فعلى قدر شر الأخوين التوأمين وإجرامهما كان فى الفيلم سمات للخير والحب، فالحياة ليست لونا أسود أو أبيض، ولكنها رمادية اللون، وهذا هو الواقع حتى فى عالم الجريمة المنظمة.