ليس دور الدولة هو إجبار المواطنين على النزول للانتخابات، فقد انتهى زمن الحشد، وبدأ عصر الإقناع، وليست المقاطعة مقياسا لتدنى شعبيتها، لأنها لم تطلب من الناس التصويت لحزب يمثلها، فليس لها حزب تدعمه وتسانده، ولا يستطيع أحد أن يدعى أنه حزب الرئيس، حتى قائمة «فى حب مصر»، التى تضم «كوكتيل» من المستقلين والأحزاب، لا ينطبق عليهم مفهوم أنهم حزب الدولة أو الرئيس، وهذا يفتح شهية من تكاسلوا، للمشاركة فى المرحلة الثانية، فقد أصبحت الصورة أكثر وضوحا من المرحلة الأولى، ولن يقع الناخبون فى حيرة «انتخب مين»؟
أتوقع زيادة الإقبال فى المرحلة الثانية، لأن الناس تأكدوا بأنفسهم أن الانتخابات نظيفة ونزيهة، فقد اختفت الأمراض التاريخية مثل ملء الصناديق بالتسويد، والتصويت الجماعى للموتى والغائبين والمسافرين، والتدخل السافر للحكومة والوزارات، والتزمت الدولة بدورها الصحيح، فى تأمين الناخبين وضمان سلامتهم، وحماية اللجان من الفتوات والبلطجية والسماسرة، وتمكين القضاء من الإشراف على العملية الانتخابية برمتها، وتخفيز الناس على النزول والمشاركة، دون أن تقول لهم اختاروا حزبا معينا أو أشخاصا يمثلونها.
الواقع يقول إننا فى منطقة حقل تجارب ديمقراطية، أنبتت بعض الثمار أهمها اقتحام المرأة الجرىء لمنطقة كانت محظورة عليها، والمؤشرات تقول إن البرلمان القادم سيكون فيه أكبر عدد من النساء فى تاريخ البرلمانات، وانتظروا برلمانيات مقاتلات، يمثلن الزخم الوطنى الهائل الذى ملأ الشوارع والميادين فى 30 يونيو.. والثمرة الثانية هى خروج الأقباط من عزلتهم الاختيارية، وإقبالهم على الترشح والتصويت، كجزء أصيل من نسيح الأمة.. والثمرة الثالثة هى الشباب الذين أداروا ظهورهم لدعاوى المقاطعة وحملات التشكيك، ونجح منهم أربعة مستقلين تحت ثلاثين سنة، والمؤشرات تشير إلى أن نسبة الشباب فى البرلمان لن تقل عن %10. ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ولم تكن السياسة فى يوم من الأيام جمهورية الديمقراطية الفاضلة، ولكنها تعكس الواقع إذا لم تكن مزيفة أو مزورة، وفى مصر الآن أصبح لكل صوت انتخابى قيمة ودور فى الحسم، ومن يفرط فى صوته، عليه أن يلوم نفسه، ولا يحمل الآخرين نتائج سلبيته.