يأمل الكثير من أبناء الشعب المصرى، فى وجود تشريعات عصرية معبرة عنه، فهذا الشعب الكريم بذل الغالى والنفيس من أجل التغيير والتقدم والتطلع لمستقبل مشرق لأبنائه، ونأمل ألا يظل الأمر مجرد خيال، ونبقى عاجزين عن تحقيقه.
ومما لا شك فيه أن القرار الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنشاء لجنة الإصلاح التشريعى، كان أمرًا فى غاية الأهمية فى تاريخنا المعاصر خصوصًا فى ظل غياب البرلمان، لأنه من الصعوبة أن نتحدث عن إصلاحات جوهرية وحقيقية فى ظل تشريعات بالية ومعوقة لأى تقدم حقيقى سواء كان سببا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، ومما لا شك أن التشريع يلعب دورا كبيرا فى المجتمع، وذلك لاتصال دوره بالدولة وبالمواطنين، فالتشريع وعلى قمته الدستور يهدف إلى تنظيم الحياة فى الدولة من جميع نواحيها سواء فى ذلك ما يتصل بتنظيم كيان الدولة وبيان سلطتها التى تديرها الدولة، بالإضافة لتنظيم علاقة الدولة بالمواطنين ليشمل مالهم من حقوق فى مواجهة الدولة وما عليهم من واجبات يجب الالتزام بها وأدائها، كما أن التشريع من ناحية أخرى يعمل على تنظيم شئون المواطنين فى مختلف النواحى الصناعية والزراعية والاقتصادية والثقافية والتجارية والتعليمية والصحية والاجتماعية، فضلا عن شئون الأمن الداخلى والخارجى، بالإضافة لتنظيم علاقة الدولة بغيرها من الدول الأخرى من الناحية السياسية والاقتصادية وسواها من العلاقات الدولية، ويتضح لنا عن طريق التشريع يتم تنظيم كافة العلاقات المجتمعية سواء فيما بين المواطنين بعضهم البعض، أو فيما بين المواطنين وبين مختلف سلطات الدولة فكلها علاقات متعددة الجوانب، ويكفى أن نذكر أنها لا تترك جانبا من جوانب الحياة إلا تدخلت فيه بالتنظيم الملزم للجميع، وعلى ذلك فقد تعددت التشريعات التى تتناول بالتنظيم تلك النواحى تعددا كبيرا حتى أصبح الإحاطة بها مهمة شاقة لا ينهض بها إلا العصبة أولو القوة، أما إذا تكلمنا عن الإصلاح والبحث عن سبله ووسائله ضرورة هامة، خاصة لما وصل إليه حال التشريعات الراهنة من كثرة التناقضات وما يشوبه من تناقضات بين بعضه البعض، فضلا عن قصوره فى نواحى عديدة وعدم مسايرتها لروح العصر وانطواء معظمه على إجراءات عقيمة ومعقدة ومجهدة للمتعاملين بها والعاملين بمجالها، فضلا لما تتعرض له نصوص القوانين القائمة للكثير من التعديلات المتتالية فالنص لا يعدل مرة واحدة بل يعدل أكثر من مرة فقد يكون تعديلا جزئيا لبعض الفقرات، وقد يكون تعديلا شاملا للعديد من النصوص، ولذلك فأنه قد يتعذر الوقوف على النصوص الواجبة التطبيق فى أى وقت، وخير مثال على ذلك القوانين الجنائية وما صدر بشأنها من تعديلات وعلى ذلك فهناك أسباب عديدة توجب التدخل من الجهات القائمة على التشريع للعلاج الناجز لهذه الأوضاع المتردية حتى يعود للتشريعات نقاؤها وصفاؤها فضلا عن سلامتها مما يعتريها فى الوقت الحالى من عيوب جسيمة توقع القضاء والمتقاضيين فى حرج كبير قد يصل إلى حد العجز عن الوصول لحكم سليم، بالإضافة إلى وجود العديد من التناقض، لذلك فإنه لمن المناسب الآن أن تكون هناك آلية محددة ومعروفة ليس لوضع التشريعات وإنما لمتابعة تطبيقها للوقوف على مدى ملائمتها لكل ما يستجد من أوضاع. وقد يقول القائل وماذا عسانا أن نفعل فيما تراكم من تشريعات يرجع تاريخ صدور الكثير إلى ما قد يزيد عن قرنين من الزمان، وأنه لأمر مستحيل أن نتمكن من إخضاع ذلك الركام للإصلاح غير أننا نقول هناك ما استحدث من مستحدثات مكنتنا من تحقيق خطوة عملية بأن جعلنا تلك التشريعات جميعها وأصبح فى وسع أى فرد عادى أن يستدعى ما هو فى حاجة إليه منه، فإنه بذات الوسائل يمكننا أن ننقيها مما يشوبها من زوائد وأن تعيد إليها الحياة والحركة ونضرب لذلك مثلا بقانون العقوبات المصرى القائم الذى صدر عن 1937 أى أنه قد مضى عليه أكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمان، وطرأ عليه العديد من التعديلات بالطبع، لكنه بات من الضرورى أن يتم وضع قانون جديد شامل يراعى فيه التطور الهائل فى وسائل ارتكاب الجريمة ونوعية المجرمين وغيرها من التطورات فى الجريمة، بالإضافة إلى أن أغلب التشريعات تصدر دون أن يسبقها دراسة كافية مما يجعلنا نقوم بإجراء تعديلات على التشريع لمعالجة عيوبه.
إن الإصلاح التشريعى حلم ورؤية وخيال مبدع يجب أن يتسم به المشرع ليناسب التشريع الصادر منه كافة التطورات الهائلة فى المجتمع وليس العكس، ولذلك أقول إن البرلمان القادم عليه مهمة إصلاح التشريعات وتنظيمها، وهى أمانة فى أعناق النواب لأن مصر أمانة ويجب على جميع النواب التجرد من كل المصالح الحزبية والمصالح الشخصية الضيقة التى تتعارض مع مصالح مصر فى تلك اللحظة التاريخية الحرجة . حمى الله مصر وشعبها والله الموفق.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة