كثرت الشكوى فى مصر من كل شىء، وصار الكل يشكو الكل، حتى الرئيس نفسه قرر أن يشكو للشعب من الإعلام، والشعب كثير منه يشكو من الإعلام، والمسؤولون يشكون منه ومن غيره، والناس تشكو إلى المسؤولين وتشكو منهم، أى أن الشكوى صارت سمة المصريين والحياة فى مصر، أما أنا فلن أشكو إلا إلى الله فى رسالة من مواطنة مصرية لرب العزة:
سبحانك يا خالق الخلق، يا من لك كل العلم، أنا واحدة من بين خلقك وعبادك الذين كتبت عليهم أن يولدوا فى هذا العصر ويعيشوا حتى هذه اللحظة على تلك البقعة بالتحديد من أرضك الواسعة.. يا رب إنى أشكو إليك من يقولون عن أنفسهم مسلمين، يرددون كلماتك ويضعون رنات هواتفهم دعاء لك، ويقولون إنهم يحاربون بعضهم البعض من أجل جنتك، يقتلون الإناث والأطفال والزرع ويقطعون الضرع، يخوفوننا بعذابك دون رحمتك.. يا رب إنى أشكو إليك ممن يقولون عن أنفسهم علماء لدينك الخاتم وهم ينفرون الناس منه ولا يحثونهم على استعمال عقولهم، ومن يفعل يحكمون عليه بالكفر ودخول النار.. يا رب إنى أشكو إليك من رجال أوصاهم رسولك بنا كآخر وصية له قبل الرحيل، ومنحتهم حق الضِعف فى الإرث لكى يتولوا مسؤولية النساء ولكنهم لا يفعلون بل بعضهم يحرم على الإناث حقهم وحتى إرثهم.
يا رب إنى أشكو إليك بلدا تعلو فيه المآذن ويصدح فيه الآذان ولكنه لا يعرف للنظافة مكانا، حتى صار كل شبر فيه بؤرة مرض وتلوث يؤذى الناس.. يا رب إنى أشكو إليك بشرا لا تميط الأذى عن الطريق بل تضع لنا الأذى فى كل بؤرة وعلى كل ناصية، فحيثما مشينا سواء مترجلين أو راكبين نتعثر، ولا أحد من مسؤوليه يتذكر قول الخليفة عمر بن الخطاب الذى بكى وهو يتذكر كيف سيكون حسابه عسيرا لأنه مسؤول لو تعثرت دابة فى طريق الشام وهو قابع فى المدينة التى تبعد شهورا عن الشام.. يا رب إنى أشكو إليك فسادا عم فى البلاد وصار له مخالب وأياد تطال كل شىء، وصار قويا مستبدا، كما صار كالوباء ينتقل بسرعة البرق.. يا رب إنى أشكو إليك من المنافقين للحكام فى كل الأوقات، ما صاروا يخجلون ولا يتوارون بليل، بل صاروا يتباهون بنفاقهم، وهم فتنة للناس.. يا رب إنى أشكو إليك من إصرار كثير من عبادك على هذه الأرض الطيبة على نشر الجهل الذى ينشر الرذيلة، ونشر العداوة بين أبناء البيت الواحد.. يا رب إنى أشكو إليك من قلة الرحمة بين الناس، فقد عم العنف حتى اعتاد العباد عليه فصارت الحياة ملونة بالدم.
يا رب إنى أشكو إليك من تكاثر الرويبضة وأنت تعلم من يكونون، فهم توافه البشر يتحدثون فى أمور لا يفقهونها، فقد كثر المحللون فى البلاد، وأغلبهم لا يفقهون حتى صارت لهم مكانة ووصلوا لأن يكونوا نوابا عن شعب، فكيف بنا نعيش فى هذا الزمان حيث يتوارى أصحاب الكفاءة والعلم ويظهر التوافه من البشر فى ثيابهم ويستمع إليهم القاصى والدانى.. يا رب إنى أشكو إليك من أغنياء بلادى فأغلبهم يغلقون على أنفسهم أبوابهم ولا يمدون يدا لمحتاج، وأشكو إليك من فقراء بلادى، فكثير منهم يستكين لفقره ويتواكل على غيره فيزدادون فقرا وجهلاً ويساعدهم بعض الأغنياء فى ذلك.. يا رب إنى أشكو إليك من المطففين فى الميزان من تجار مصر، فهم كُثر، يسرقون فى الميزان ويسرقون فى الأسعار ويسرقون فى النوعية، وقد ضج الناس ولكنهم شيطان أخرس يضجون دون فعل إيجابى ولا يقاطعونهم.. يا رب إنى أشكو إليك كثيرا من أهل حملة الأقلام والميكروفونات والكاميرات فهم لا يتقونك فى كلمة ويفضحون الناس على رؤوس الأشهاد بالباطل، وسبحانك يا من أمرت العباد بستر غيرهم حتى لو كان لديهم دلائل على الفضائح فما بال الكاذبون!
فى كتابك العزيز قلت: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ولكنى أشكو إليك يا رب أن لا أحد من قومى إلا من رحم ربى يريد أن يغير ما بنفسه وبلاده، فماذا نحن فاعلون؟ سبحانك ربى لك الشكر والحمد على كل حال.