شغلنى طوال الأسبوع الماضى ما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن الإعلام فى خطابه الأخير، وكيف أن الرئيس قرر أن يشكوا هؤلاء الإعلاميين للشعب، تأملت الموقف بهدوء وبانحياز للرئيس من جهة وحب لمهنتى من جهة أخرى، ومع تقديرى لعتاب الرئيس لأبناء مهنتى، إلا أن الأمر تخطى مرحلة العتاب، لأن ما يحدث فى مجال الإعلام ظاهرة موضوعية تخضع لمعايير مختلفة، كثيرون يتحدثون بمعايير غربية وغريبة دون إدراك فعلى لنشأة وتطور الإعلام المصرى، خاصة فى عصر السموات المفتوحة، لا يقاس فيها مع المعايير الدولية سوى «انفتاح السموات»، ولكن هل كان الإعلاميون المصريون مؤهلين لهذه «الطفرة» التى خلقت فجوة بين الإعلام والإعلاميين، وإن كان الإعلام قد بدأ بـ(قائم اتصال-رسالة- متلقى) فإن الأمر الآن وفى عصر السموات المفتوحة والفيس بوك الخ قد جعل القائم بالاتصال مرسلا ومستقبلا فى نفس الوقت، وأن القوانين وحدها لا تكفى لضبط الأمر، لأن الإعلام الغربى انتقل من الفوضى الإعلامية إلى مرجعية المواثيق عبر مسيرة تم فيها تكوين الإعلاميين على كون الإعلام ليس فقط مهنة صناعة رأى عام بل صناعة ضمير، وكانت التربية الإعلامية تقوم على ربط القيم بالمهارات، ولكن ما يسود التدريب الآن يقوم على حشد مهارات بلا قيم، فتجد نماذج فى منتهى المهارة ولكنها بلا قيم!!
من جانب آخر دخول رأس المال إلى الإعلام بلا تأهيل قد حول الرسالة إلى «سلعة» والقائم بالاتصال إلى «مندوب دعاية» لتلك السلعة، والتعاطى مع الجمهور على أنه «سوق» لترويج هذه السلعة!!
هنا تحولت القاعدة من (قائم بالاتصال- رسالة- جمهور) إلى (مندوب مبيعات- سلعة- سوق)، وأصبح الأمر كله مرتبطا بسلطة رأس المال، ومع عدم وجود مرجعيات ولا تربية على صناعة الضمير أو نقابات مهنية تدافع عن المهنة تحول بعض الإعلاميين إلى «بارونات إعلام» ينتقلون من موقف لآخر ومن محطة لأخرى وفق «سعر الصرف».
على الجانب الآخر اضمحل المعادل الموضوعى «إعلام الدولة»، يسير الإعلام كالأعرج، بلا تربية ولا مرجعيات ولا ضمير، الأمر الذى يذكرنى بانفتاح السادات الاقتصادى (الانفتاح سمداح) الذى أدى إلى خراب البلد، وسوف يستشرس البارونات ويتحولون إلى «مندوبين مافيات» إعلامية!!
سيادة الرئيس ليس أمامك سوى أن تهتم بإعلامك المستقل، وتنزل سوق الإعلام بشركة كبرى ترشد بها ما يحدث وبخطة جديدة وجيل جديد من الأسوياء ومعاهد تكوين لشباب الخرجين، حتى يتم ضبط الأمور دون غضب لأنه ليس بالقوانين وحدها يحيا الإعلام، بل بربط القيم بالمهارات وتحويل الفضاء العام إلى مدرسة لتربية الضمير، ولا نترك يد البارونات أكثر من ذلك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة