محمد الدسوقى رشدى

الطائرة الروسية.. غربال الفرز الأخير لتنظيف مصر

الأحد، 08 نوفمبر 2015 10:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنها مرحلة فرز.. فلا تغضب من الشامتين فى أزمة وطن، ولا ممن حولوا خصومتهم مع السلطة إلى خصومة مع البلد، ولا تتعجب من هؤلاء الذين تحلو فى عيونهم خطوات أمريكا ضد مصر ويعتبرونها خطوات شرف ودفاع مشروع عن رعية، بعد أن كانوا هم أنفسهم يكررون أن أمريكا هى الشيطان الأعظم، ولا تستنكر هؤلاء الذين سخروا من اعتذار تونى بلير عن تقاريرهم الكاذبة حول أسلحة الدمار الشامل فى العراق واعتبروه اعتذارا بعد خراب مالطة، بينما فى نفس الوقت هم يصدقون تماما ويروجون تماما أكاذيب تقارير بريطانيا وأمريكا الجديدة عن الوضع الأمنى فى مصر.

ولا تندهش من أهل النخبة والسياسيين الذين لم يدخروا جهدا من قبل فى الكلام عن الحذر من تكرار لعبة تقارير أسلحة الدمار الشامل المخابراتية التى دمرت بها أمريكا وبريطانيا العراق، ثم تجدهم هم أنفسهم أول المؤمنين بما تدعيه تقارير مخابرات واشنطن ولندن عن الإرهاب فى سيناء.

ولا تستنكر أنهم يرفضون تقارير أمريكا المخابراتية عن الوضع فى العراق أو فى ايران أو فى تونس أو عن جرائم الإخوان، بينما يصدقون بسهولة تقارير نفس الأجهزة عن السلطة فى مصر وعن الوضع فى سيناء لمجرد أن الأخيرة تخدم مصالحهم فى التشفى من السلطة التى لا يريدونها.. لا تندهش لأن بعضا ممن تظن أنهم كبار فى الإعلام والسياسة أفشل وأجهل وأصغر من أن يفرقوا بين خصومتهم مع السلطة وخصومتهم مع الوطن.

تقول الحكمة القديمة «رب ضارة نافعة» وكل أزمة هى فى الأصل محنة ترافقها منحة، والمنحة فى أزمة تكالب بريطانيا وأمريكا على مصر فى قضية الطائرة الروسية هى منحة الفرز، إسقاط أقنعة الوطنية عن هؤلاء الذين يدعون الخوف على الوطن كل ليلة وحينما يترنح الوطن يشهرون أسلحتهم للإجهاز عليه، مرة بالشماتة، ومرة بترويج كل مايردده الخارج وكأنه قرآن منزل، ومرة بتنحية الأزمة جانبًا وتحويلها إلى جسر للهجوم على السلطة أو الرئيس.

لا أحد فوق النقد، لا الرئيس ولا النظام السياسى كله، ولا أحد ضد حساب المقصرين، وعلاج الخلل، ولكن كل مخلص هو قطعا ضد استغلال أزمة يتعرض لها الوطن فى تصفية حسابات سياسية، دعوتك لحساب المقصر وكشف الفاسد مقبولة حينما يرافقها دعوة لدعم الوطن، سخريتك من هؤلاء البسطاء الذين استشعروا الخطر وانطلقوا بأول فكرة زارت عقولهم حول دعم السياحة أو نصرة الوطن فى معركته الخارجية تسقط عنك قناع الحيادية والموضوعية واحترام وجهات النظر المختلفة.

يشمت الإخوانى على طريقته مثلما فعل جمال حشمت الذى ظهر داعيًا جيوش العالم للتدخل فى مصر فى أوضح صورة للخيانة يمكنك أن تحصل عليها لتشرح لك حقارة تنظيم الإخوان، ويشمت الناشط المتوهم فى نفسه العلم بكل بواطن الأمور على طريقته إما بالشماتة فى فشل السلطة فى مسألة حماية الطائرة الروسية وإما بالشماتة فى تعرض الوطن لكل هذا الهجوم الدولى، وهو فى كلتا الحالتين مدان.

فى الأولى إدانته محلها سقوط قناعه الذى يتحدث دوما من خلفه عن المهنية والمصداقية وموضوعية الطرح، بينما هو فى هذه الحالة يستبق التحقيقات، ويروج للشائعات والتخمينات ويصدق تقريرًا صحفيًّا دون دليل عن ادعاء سيطرة الإرهاب على سيناء واختراق مطارات مصر، بينما هو نفس هذا الناشط أو السياسى كان يتهم الصحافة المصرية التى تنشر تقريرا غير موثق أو خبرا مضمونه التخمين عن تورط سياسى أو ناشط فى الحصول على تمويل أجنبى جريمة مهنية وأخلاقية.

فى الثانية هو مدان بالجهل وعدم القدرة على تنزيه نفسه عن هوى المصلحة بالشكل الكافى الذى يجعله يدرك الفرق بين الخصومة مع النظام أو الرئيس والخصومة مع الوطن، الفرحة بهذا الضغط الدولى يعنى موافقة السيد الناشط أو السياسى على أن يخرب قطاع السياحة أكثر مما هو خرب، وبالتالى تشريد آلاف العمال، لأن سيادته يريد وقتا للتشفى فى السلطة التى يكرهها.

فى الخلفية يظهر نوع جديد من العازفين على نغمة أنه لا توجد أى مؤامرة ضد مصر من أمريكا وبريطانيا، وكأن واشنطن ولندن تحولتا فجأة إلى ملاكين بجناحين، ويسأل هذا النوع بكل ثقة: هم يعنى عاوزين إيه مننا عشان يتآمروا علينا؟ عندنا إيه عشان يتآمروا علينا؟ ويكفه رد واحد دون الحديث عن تقارب مصر وروسيا كسبب، أو تقارب مصر والصين كسبب، أو نجاح مصر فى تنويع مصادر تسليحها كسبب، يكفيه أن تسأله: وماذا كانوا يريدون من العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا أو افغانستان أو الصومال؟.

مصر تواجه حملة منظمة للضغط عليها، هذا ما يجب أن تفهمه حينما تضع قطع اللعبة بجوار بعضها، سواء خبر جريدة الإندبندنت المفبرك عن رشوة المطار لخروج المسافرين دون تفتيش، أو خبر «ديلى ميل» الهزلى عن تفادى طائرة ركاب لصاروخ فى سيناء، أو التقرير الكارثى الذى نشرته شبكة سى إن إن، ويعد أكبر دليل على ما تتعرض له مصر من ضغوط هدفها سيناء، وهو التقرير الذى يدور حول ضرورة مضاعفة أعداد القوات الدولية فى سيناء وزيادة مساحة نفوذهم وزيادة تسليحهم، ويكفيك أن تسأل فقط عن سر توقيت نشر هذا التقرير وتتمعن فى صياغته التى لم تتضمن معلومة واحدة أو مستندا يدعم هذه الدعوى، لتعرف أن ما يتعرض له الوطن أكبر بكثير من فكرة خلافك السياسى مع السلطة التى تحكمه.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة