من حقنا أن نغضب من الرئيس الروسى بوتين، وأن نعتب عليه، ونطلب منه أن يستأنف رحلات الطيران لمصر فورا، وليس فى أقرب وقت كما اتفق مع الرئيس السيسى فى اتصالهما الهاتفى، لا يجب أن يفعل بوتين مثل الدول التى تترصد بنا، ولا يجب أن تتبنى روسيا نفس الكلام المائع الذى يقوله رأسا العداء أوباما وكاميرون وهو: «احتمال سقوط الطائرة مرده إلى قنبلة، إلا أن الأمر غير مؤكد حتى الآن»، والغريب أن كاميرون بعد أن عزف هذه النغمة الشاذة، رقصوا جميعا على لحن «احتمال آه شىء أكيد لا»، وأرسلوا طائراتهم لإجلاء السائحين، بشكل متسرع وعشوائى ومتهور ويلحق أبلغ الضرر بالسياحة المصرية، وكأنهم كانوا ينتظرون على أحر من الجمر وقوع الكارثة، وجهزوا السكاكين والطعنات والاتهامات، قبل أن تسفر التحقيقات عن أى نتائج ملموسة.
موقف أوباما المعادى لمصر يمكن تفهم دوافعه، بعد انهيار أحلامه فى تمكين الإخوان، وآلاعيب كاميرون ليست غريبة، ونعانى منها منذ أن قررت بلاده أن تكون الملجأ لزعماء الإرهاب منذ عشرات السنين، ولا يمكن أن نلوم الدول الأخرى التى تدور فى فلكهما، ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، وغيرها من التى هرولت لتعليق رحلاتها إلى مصر، ولكن الموقف الروسى هو الصدمة حتى بعد التعديل، لأن مصر حرصت على إشراكهم فى التحقيقات من الألف إلى الياء، وتأكدوا بأنفسهم من عزم السلطات المصرية للوصول إلى الحقيقة أيا كانت، وظل الموقف الروسى منصفا ومتزنا وعادلا، إلى أن حدثت مكالمة بوتين وكاميرون مساء الخميس الماضى، وبعدها انقلب الموقف الروسى رأسا على عقب، وتحدثا بنفس طريقة «قنبلة ممكن، متأكد لا»، وكلف بوتين رئيس وزرائه برئاسة لجنة رفيعة المستوى، للإشراف على ترحيل السائحين الروس من مصر، وتعليق رحلات الطيران للمطارات المصرية، وليس شرم الشيخ فقط، وطعنة الصديق هى الأشد وجعا وألما، افترض أسوأ السيناريوهات وهو احتمال سقوط الطائرة الروسية بقنبلة، فالأحرى بالصديق الروسى أن يدعم مصر ويساندها فى حربها العادلة ضد الإرهاب، وأن يقول بوتين للعالم إن مصر تحارب الإرهاب نيابة عن البشرية والحضارة والتقدم، فساندوها بدلا من أن تتآمروا عليها، وساعدوها بدلا من أن تضعفوها.