بعد أن انتشر فى الأيام القليلة الماضية إشاعة وفاه المناضلة الجزائرية "جميلة بوحيرد" لابد وأن ننوه عن أبرز وجوه المقاومة النسائية اللاتى جرى فى عروقهن حب الوطن والأمة فصنعن أمجادهن بقصص من النجاح والمجد، تجعلنا ننحنى لريادتهن ولإنجازاتهن العظيمة، وعلى رأسهن "بوحيرد" مروراً بـ "لاله نسومر" ودلال المغربى والسودانية سعاد محمد وغيرهن الكثيرات، فهن مناضلات امتلكن قدراً عالياً من الدراية والذكاء والحنكة الخارقة فى قيادة المعارك العسكرية والتصدى للاحتلال وتلقينه دروساً فى البطولة:
1ــ جميلة بوحيرد:
ربما من يقرأ قصة هذه السيدة المناضلة يستوعب بأن ما قدمته ليس هين ومن العيب على أى أحد نكرانه، إذا تعتبر جميلة بوحيرد من أبرز وأشهر رموز المقاومة فى الوطن العربى، فهى من المناضلات اللاتى ساهمن بشكل مباشر فى الثورة الجزائرية على الاستعمار الفرنسى، حيث انضمت "بوحيرد" للعمل الثورى وهى فى ريعان شبابها ولكنها كانت لا تحب أن تتزين مثل باقى الفتيات فى سنها، بل اختارت أن تحمل لواء المناضلة وتتحمل التعذيب من أجل تحرير وطنها الجزائر، حتى تم القبض عليها أكثر من مرة وتقديمها للمحاكمة سنة 1957، ومن ثم تعذيبها، حيث تعرضت للصعق الكهربائى فى إحدى المرات من أجل أن تعترف على زملائها، فكانت تغيب عن الوعي وحين تفيق تقول "الجزائر أمنا".
كما صدر بحقها حكما بالإعدام، وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن حين ثار العالم كله دفاعاً عن "بوحيرد" اجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم حتى تم تعديل الحكم إلى السجن مدى الحياة، ولكن خرجت "بوحيرد" بعد أن تحررت الجزائر 1962، فتزوجت من محاميها الفرنسى، جاك فيرجيس، الذى دافع عن مناضلى جبهة التحرير الوطنى خاصة المجاهدة جميلة بوحيرد، والذى أسلم واتخذ منصور اسما له.
2ــ دلال المغربى:
دلال المغربى هى مناضلة فلسطينية لم يسمع عنها الكثيرون ولا يعرفها العديد من الأشخاص، فهى فتاة حملت السلاح ضد الاحتلال الصهيونى، ففى عام 1978 كانت المقاومة الفلسطينية تمر بفترة عصيبة، تمثلت بفشل معظم عملياتها العسكرية وتعرض مخيماتها فى لبنان لمذابحٍ وحشية، فكرست "المغربى" حياتها لتحرير أرضها المغتصبة وخدمة المقاومة الفلسطينية من أيدى العدو، فالتحقت "عروس يافا" –مثلما كانت تُلقب- بالحركة الفدائية وهى لا تزال فى ريعان شبابها، فدخلت عدة دورات عسكرية وتدربت على حرب العصابات وكيفية استخدام مختلف أنواع الأسلحة، حتى عُرفت بحماسها وجرأتها الوطنية والثورية، إلى أن استشهدت "دلال" فى إحدى عملياتها والتى سميت بـ"عملية كمال العدوان" كانت قوات الاحتلال خلال هذا المشهد تطلق قذائفها بكثافة، ومعها أحد عشر فدائيا بعد أن كبدت جيش الاحتلال حوالى 30 قتيلا وأكثر من 80 جريحًا.
3ــ لاله فاطمة نسومر:
تعتبر "لاله نسومر" هى أيقونة و فخر كل امرأة جزائرية حرة أبية، فهى واحدة من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى للجزائر.
أطلق عليها فاطمة نسومر تشبيها لها بالبطلة القومية الفرنسية "جان دارك،JEANNE D’arc." ولكن اسمها الحقيقى هو فاطمة سيدى محمد بن عيسى، فهى نموذج لمشاركة المرأة الجزائرية فى الكفاح الوطنى البطولى حتى فى أيام اندلاع ثورة فاتح نوفمبر 1954، فقد كسرت "لالة فاطمة نسومر" القاعدة بمقاومتها للاستعمار وذلك بعد أن تغلغل الجيش الفرنسى فى قلب البلاد كثفت "نسومر" المقاومة، فحققت انتصارات عديدة واستطاعت أن تقهر أعلى الرتب العسكرية فى الجيش الفرنسى وتلقنهم دروسا فى البطولة.
"نسومر" مثال يحتذى به فى الفداء من اجل الوطن والتضحية، فهى مناضلة امتلكت قدرا عاليا من الدراية والذكاء والحنكة الخارقة فى قيادة المعارك العسكرية، كما اتصفت بأعلى درجات البطولة والشجاعة، مما مكنها من مواجهة عشرة الجنرالات من عتاة القادة فى القوات المسلحة الفرنسية التى غزت الأراضى الجزائرية.
وتقديرا لدور نسومر الفدائى فى خدمة الوطن التاريخى أُلفت حولها أعمال أدبية وفنية وأطلق اسمها على جمعيات نسائية مناضلة فى الجزائر.
4ــ سعاد إبراهيم:
للسودانية سعاد إبراهيم مسيرة حافلة فى خدمة الوطن، حيث كرست حياتها من أجل الوصول لاستقرار وديمقراطية لشعبها، فعُرفت بجسارتها فى الوقوف مع الحق والدفاع عن حقوق المهمشين وقضايا القوميات والنضال من أجل قضايا المرأة، حتى تم تلقيبها بـ "أم النوبيين".
وقد تبنت سعاد طوال عمرها الدفاع عن حقوق الكادحين والمستضعفين من الرجال والنساء فى شتى انحاء السودان، فقد ظلت الرائدة سعاد إبراهيم نموذجا للمثقف الملتصق بقضايا أمته وصوتاً جهوراً مطالباً بالحق ومنحازاً لقضايا النساء وممثلة لهم فى العديد من الندوات والمؤتمرات، حتى أصبحت جزءاً متأصلاً من الثقافة السودانية ممثلة للمرأة السودانية.
5ــ هدى شعراوى:
هدى شعراوى هى أول من نادى بحقوق النساء المصريات، فكانت على صلة وثيقة بحركة تحرير المرأة المصرية، كما كانت موضع إعجاب النابهين فى مصر من رواد هذه الحركة وعلى رأسهم سعد زغلول والشيخ محمد عبده وقاسم أمين.
كانت "شعرواى" حريصة على صيانة المرأة من الظُلم الذى تتلقاه، فـطالبت بـرفع سن الجواز للفتاة المصرية، كما نادت بحق المرأة فى الانتخاب بعد إمكانية انضمامها لأبواب التعليم العالى، وطالبت بقانون يمنع تعدد الزوجات إلا للضرورة، بالإضافة إلى إنها نادت بـرفع الاهانة والظُلم عن المرأة بإجبارها على الانضمام لبيت "دار الطاعة"، كما أنها أول مصرية مسلمة تجرأت على نزع الحجاب لتمارس حريتها دون قيد أو شرط.
6ــ شاهندة مقلد:
شاهندة مقلد مناضلة وسياسية مصرية شهيرة، ولدت لأب ضابط وطنى، ورثت عنه النضال والوطنية والإيمان بالمبادئ، فهى ناشطة فى الحركات القومية والتى لا زالت تمارس نضالها الدءوب من أجل الدفاع عن حقوق الفقراء خاصة الفلاحين البسطاء محدودى الأرض.
فهى سيدة ذات طابع خاص صُنفت منذ نصف قرن كامرأة مناصرة لحقوق فقراء الفلاحين ضد قوى الظلم والفساد والقمع التى تمارس ضدهم، فكان من أشهر نضالها وقوفها مع فلاحى قرية "كمشيش" بالمنوفية فى حصولهم على 4 مقاعد من أصل عشرة فى الاتحاد القومى لتوزع الأرض التى صادرتها الدولة من الإقطاعيين على الفلاحين والتى وزعوها من قبل على 199 منتفعا ليهربوا من مصادرة الدولة لها وفقا لقانون الإصلاح الزراعى لتناضل "مقلد" من داخل كمشيش من خلال فضحها لممارسات الإقطاع إلى أن فرضت الحراسة على أموالهم.
ولذلك عرضت عليها محافظة المنوفية اطلاق اسمها على قرية كمشيش التى واجهت الإقطاع وسيطرة الأغنياء على الفقراء من الفلاحين والاساءة لهم ولكنها رفضت لأنها ترى أن كمشيش بلد النضال والحرية وأنها أولى باسمها الذى يحفظه تاريخها النضالى فى مواجهة الاقطاع.
ولازلت شاهندة ورغم تقدم السن مشرقة كما كانت منذ الستينات فهى من أجمل نساء مصر وأكثرهم نقاء وتفانى فى حب وطنها وخير مثال للمرأة المصرية الصلدة التى أفنت حياتها فى مقارعة الظلم الاجتماعى.
موضوعات متعلقة..
- المثقفون و"مجلس النواب".. العقاد من مجلس النواب إلى السجن.. وثروت أباظة وكيل مجلس الشورى 16 عاما.. وتوفيق الحكيم وعبد الوهاب يحدثان ضجة بسب"السن"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة