أكرم القصاص

«التهذيب الممنهج»

الثلاثاء، 01 ديسمبر 2015 07:24 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما يأخذ القانون مجراه فعلًا
ظاهرة لاقت إعجابا كبيرا فى وسط البلد بالقاهرة، فرضت الحكومة ممثلة فى المحافظة، غرامة 500 جنيه على كل محل لا يضع أمامه سلة للزبالة، كل محل وضع أمامه سلة ولصق عليها شنطة باسمه. أصبحت وسط البلد نظيفة، والخطوة لفتت نظر كثيرين ناقشوها على مواقع التواصل، واختلف المفسرون كالعادة فيما إذا كان التزام أصحاب المحلات بوضع الصناديق خوفا من الغرامة، أم رغبة فى النظافة، وقال البعض إن القانون يصنع التزاما، يتحول مع الوقت إلى سلوك.

المهم أن هذه التجربة نجحت فى وسط القاهرة، وقبلها نجحت عمليات ضبط المرور ومنع الركنات المخالفة بعض الوقت. ومثل وسط القاهرة نجحت تجربة تنظيم حلوان ونقل الباعة، وتجميل الحدائق والميادين، وإزالة إشغالات وفرض قواعد. واللافت فى كل هذا أن المواطنين يساعدون ويساندون الحكومة، ولا أحد يعترض، حتى المخالفين وصناع الفوضى مع الوقت يستسلمون للقانون. السؤال دائما لماذا تبقى الجهود فردية، ولا تنتقل لباقى الأحياء؟ فى قضية النظافة والنظام هناك محاولات طوال الوقت لفرض القانون لكنها لا تستمر، وسرعان ما تعود المخالفات. تجربة فرض القانون فى وسط البلد مستمرة من شهور، بدأها بشكل جدى رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب الذى كان ينزل بنفسه لمتابعة تطبيقها، وتم التوصل إلى حالة معقولة لكنها غالبا ما تتراجع فى بعض الأوقات، حيث كان هناك حسم فى مواجهة السيارات المخالفة تراجع فى بعض الأماكن، وأصبحت الركنات تحت سيطرة مافيا مجهولة.

المفارقة أن النظام المصنوع فى وسط البلد أو الشوارع الرئيسية لم ينتقل إلى باقى أحياء القاهرة ولا إلى الجيزة، وباقى المحافظات، وكان كل السلطات والقوانين موضوعة لوسط البلد فقط، وباقى الأحياء والمدن غير خاضعة لنفس القانون. وهو ما يعيدنا للنقطة الأولى، وهى أن تطبيق قواعد وقوانين واحدة على الجميع هو وحده القادر على حسم المخالفات وإلزام الجميع بالقواعد العامة، وهو ما نسميه «التهذيب الممنهج»، أن تتوفر الإرادة والاستمرارية والحسم فى تطبيق القانون على الجميع ومن دون استثناءات.

وقد شهدت بعض الأحياء فى القاهرة محاولات سابقة لتنظيمها، لكن الحكومة تركتها بلا قانون فعادت سيرتها الأولى، وعلى سبيل المثال كان حى دار السلام مشهورا بشوارعه المكتظة بالقمامة والإشغالات، وفى عهد محلب نزلت المحافظة والحى، وتم تنظيف الشارع وتوفير سيارات نظافة، ومنع فوضى الميكروباص والتوك توك، وأصبح المرور سهلا، مع فرض غرامات على الإشغالات، وحدث التزام ما دام كان رجال المرور والحى يصرون على تطبيق القانون، ومع الوقت فكت القبضة وعادت الإشغالات والمافيات والزبالة، وأصبح الشارع مكتظا ومزدحما وبطيئا.

نفس الأمر فى أحياء مثل المطرية وعين شمس وغيرها، الشوارع منتزعة ومعتدى عليها والأرصفة مغلقة بالسلاسل والسيارات تسد الشوارع. فوضى عارمة تغيب عنها الحكومة والحى. وهناك تواطؤ عام على استمرار الفوضى. وفى مناطق مختلفة هناك اعتداءات على حرم مترو الأنفاق من محلات ومقاهى وغيرها. من دون أى تدخل. ثم إن تنظيم المرور لن يكون ممكنا من دون توفير أماكن مناسبة ومنظمة وبإشراف الأحياء. ومواجهة إمبراطوريات الميكروباص، ولا تنس التوك توك الذى يفرض قانونه، لدرجة أن حى المعادى علق لافتات بفرض غرامة على التوتوك الذى يسير فى الشوارع الرئيسية، وتحت هذه اللافتات مواقف للتوك توك، ناهيك عن الشوارع والأرصفة التى تتحول إلى جراجات بلا تنظيم، ويسيطر عليها مافيا يفرضون إتاوات بلا رقابة، وربما بتواطؤ مع الأحياء أو المسؤولين.

الحجة أن الحكومة تتعامل بأولويات، وسط البلد، ثم حلوان، والبقية تأتى، غالبا هذه البقية لا تأتى، وهناك أحياء وشوارع يعانى سكانها وتغيب عنها الحكومة والقانون. ولا أحد يعرف هل هناك رؤساء أحياء ومجالس وموظفون مثل باقى المناطق، مع أن تجربة فرض القانون دائما ما تنجح عندما يشعر الناس أن هناك قانونا واحدا بلا استثناءات «يعنى لازم القانون يأخذ مجراه فعلا»، فى وسط البلد وغيرها، كل هذا باستمرارية وحسم ومنهج.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة