«الليلة الكبيرة يا عمى والعالم كتيرة ماليين الشوادر يابا من الريف والبنادر» بهذه الكلمات افتتح صلاح جاهين منذ عقود هو وسيد مكاوى رائعتهما أوبريت الليلة الكبيرة ليصورا فيه واحداً من أهم ملامح الحياة المصرية، المولد، ظهر الأوبريت بعرائس تحمل ملامح مصر وحكايات لا تنتهى عن ملامح المولد، وها هو ثنائى آخر، أحمد عبدالله كاتباً، وسامح عبدالعزيز مخرجاً يقدمان لنا عملاً فنياً سينمائياً يحكى عن الليلة الكبيرة للمولد من الجلدة للجلدة أو على الأصح من المشهد الأول حتى آخر مشهد فى سابقة لم تقدمها السينما المصرية من قبل، فالمولد كان دائماً خلفية باهتة فى بعض الأفلام المصرية ولم يحصل على البطولة إلا من خلال هذا الفيلم.
حين نتصدى للكتابة عن أى فيلم سينمائى لا يجب ولا نستطيع أن نحكم على نوايا صُنّاعه، ولكننا فقط نحكم على نتيجة ما قدمت يداهم من عمل فنى، والثنائى عبدالله وسامح يبدو أن المولد كأجواء تملكهما كما تملكهما من قبل أجواء الفرح الشعبى وأجواء الكباريه، ولكنهما فى الفيلمين السابقين منحا البطولة للبشر قبل المكان فخرجت شخوص الأعمال من لحم ودم فى تناغم مع المكان، أما فى الليلة الكبيرة فقد استهوى الاثنين المكان قبل وأكثر كثيرا من البشر، فكانت البطولة للتصوير، جلال الزكى والموسيقى، خالد داغر، وشريط الصوت والإنشاد من الهلباوى والليثى.
يحكى أحمد عبدالله أحداث الليلة الكبيرة فى يوم واحد فيمر عبر نماذج من البشر الذين يتوسلون بأولياء الله الصالحين كالفلاح وزوجته اللذين يحلمان بالولد، والمجذوب الحكيم، والعاهرة وابنها، والمنشد الذى يعيش فى الرذيلة ما بين نساء وحشيش ويغنى فى حب الله وبائعة الشاى وحلمها، والصوفيين وقيادتهم فى مواجهة السلفيين، وهو يحكى دون أن ينتصر لوجهة نظر محددة واضحة، فقط انتصر للمكان والبطل للمولد، وتلك هى مشكلة المشاهد لهذا الفيلم الذى سيتوقع مسبقاً بخبرته مع الثنائى سامح وأحمد أنهما ينتصران للأخلاق والدين بمفهومهما كما فعلا فى فيلمى الفرح وكباريه، ولكنهما لم يفعلا ذلك بوضوح فى الليلة الكبيرة، فكأن كاتب السيناريو حين يواجهه الصراع بين الفضيلة والرذيلة ينتصر للفضيلة، ولكن حين واجه الصراع بين طرفين ينتميان كما يدعى كل منهما للدين كالصوفيين والسلفيين، يقع الكاتب فى حيرة ولا يستطيع اتخاذ وجهة نظر محددة مع أو ضد أحدهما.
أدى الممثلون أدوارهم كما يجب سميحة أيوب، سمية الخشاب، محمود مسعود، محمد لطفى، أحمد بدير، عمرو عبدالجليل، أحمد رزق، صفية العمرى، وائل نور، أيتن عامر، وفاء عامر، زينة، أحمد وفيق، وكلمة كما يجب تعنى أنهم فعلوا ما عليهم فى حدود الشخصية المكتوبة فالممثل هو أكثر عنصر فى الفن يردد مقولة «اطبخى يا جارية كلف يا كاتب» وللحق الكاتب لم يكلف لهم أكثر مما طبخوا، وربما الشخصية الوحيدة التى سمح لها الكاتب بطبيخ عفوا أقصد أداءً أكبر هو صبرى فواز فى دور مجذوب المقام الحكيم، والتى أداها بشكل جديد على هذا النمط من الشخصيات.
الليلة الكبيرة فكرة طموحة أفلتت خيوطها من الكاتب فتاه المشاهد ولكنه استمتع بالصورة واللحن.