مثلما ترسخت أنشودة طلع البدر علينا فى التاريخ الإسلامى باعتبارها إحدى أهم وأبرز كلمات الترحيب بالمسلمين المهاجرين وكتبت وقتها باسم أبناء المدينة المنورة، تترسخ من جديد نفس الأنشودة بنفس الكلمات باسم أهل كندا، ليس لأى شىء غير أنهم أعادوا إليها بريقها واستخدموها فى الترحيب باللاجئين السوريين بكل تجرد دون التفكير فى أى هواجس تتعلق بالإسلاموفوبيا أو ما يحمله كل سورى جديد على الأراضى الكندية من أفكار تتفق أو تختلف مع الشعب الكندى.
مقطع فيديو لا يتعدى زمنه 4 دقائق يتضمن قرابة 100 طفل فى إحدى المدارس الكندية ينشدون «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع»، يرتلونها بصعوبة، فلا اللغة العربية لغتهم ولا حتى الكلمات سمعوها قبل ذلك، رتلوها فقط ترحيبا وتقديرا لضيوف جدد على الأراضى الكندية، مقدمين من خلالها رسالة للمسلمين عن شعب يقدر الأديان ويقدر الإسلام رغم أنه ليس الديانة الغالبة بالأراضى الكندية، شعب يقدم من جديد تأكيدا للمقولة الشهيرة التى قالها الإمام محمد عبده قبل عشرات السنوات «رأيت فى أوروبا إسلاما بلا مسلمين وفى بلادنا مسلمين بلا إسلام»، إضافة إلى أن رسالة كندا جاءت مليئة بالمفارقات، هم يعيدون اكتشاف الإسلام الحقيقى بجوهر «طلع البدر علينا» بينما نغرق نحن الشعوب الإسلامية فى تفاصيل معقدة عن فتاوى القتل والتكفير والحرب باسم الدين، هم يفتحون أراضيهم للاجئين السوريين ويقف رئيس وزرائهم فى المطار بنفسه على رأس المستقبلين، بينما تغلق 5 دول خليجية مطاراتها فى وجه اللاجئين السوريين، هم يدشنون حملة بين شعبهم لحسن استقبال السوريين بعنوان (welcome to Canada)، بينما نحن نترك اللاجئين السوريين فى المخيمات وقت البرد وتحت المطر بقلوب مطمئنة، ونتعامل معهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
طريقة استقبال الكنديين للاجئين السوريين تعيد نظرتنا نحن للدولة الكندية، لدولة ترسم لشعبها مشروعا ثقافيا وفكريا وتسير عليه، تنفذه بعيدًا عن أى تعصب دينى أو عرقى، تسعى جاهدة للتقدم بشعب يضم كل الأجناس فى مزيج مختلف، شعب ينجح فى مخاطبة العالم بلغته هو لا بلغة العالم، شعب يستقبل السوريين بالطريقة التى ينبغى أن تكون.
أخيرا، أضعك عزيزى القارئ أمام عدة حقائق عن أوضاع اللاجئين السوريين.
1 - وفقا لمنظمة الهجرة الدولية فإن 350 ألف سورى هاجروا عبر البحر المتوسط أملا فى الوصول إلى أوروبا غرق منهم فى البحر 2643، ووفقا لنفس المنظمة قتل 1300 سورى فى البحر المتوسط فى شهر إبريل الماضى فقط بعد غرق مركب صيد تحمل المئات قبالة السواحل الليبية.
2 - المتحدث الإعلامى جويل ميلمان، قال فى تصريحات صحفية مؤخرا، إن أعداد المتوفين من السوريين الغارقين فى البحر المتوسط تزداد يوما بعد يوم، لدرجة أن متوسط عدد الغرقى اليومى فى شهر اغسطس بلغ 10 أفراد ممن حاولوا الوصول إلى سواحل جنوب أوروبا.
3 - فى سبتمبر 2015، انتشرت صورة الطفل السورى إيلان غارقا على السواحل التركية، ليهز العالم ويشعر الجميع بالعجز تجاه القضية السورية.
أخيرا، فى ظل الأرقام الصادمة للاجئى سوريا، والصور الكارثية لمدن الشام، وتعقيدات الحالة السياسية السورية، وتطورات التحركات العسكرية الروسية، ألا تستحق منا «كندا» كلمة شكر على ما تقدمه للشعب السورى، على إنسانيتها فى التعامل، وعلى إبرازها لجوهر «طلع البدر علينا»؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة