بينما العالم أجمع كان مشغولا بمتابعة ما ترتب على «قمة المناخ» كان المصريون فى الجانب الآخر مشغولين بالمناخ ذاته، أعيننا صارت معلقة بدرجات الحرارة، الجميع يتحدث عن البرد هذا العام، نسأل أنفسنا هل سيكون مثل برد العام الماضى أم أقسى؟ هل فعلا أتى البرد مؤخرا أشد قسوة مما سبق أم أن «الفيس بوك» الذى أصبح شريكا حقيقيا فى حياتنا وتعليقات الأصدقاء المبالغة هو ما يضاعف الإحساس به؟
تتكاثر الأسئلة: هل تتعرض مصر فعلا لتغير مناخى حقيقى يستوجب متابعة أخبار، لا مؤاخذة، البيئة؟ أم أن الأمر مجرد اضطراب فى الطقس سرعان ما سنرجع بعده إلى تصنيفنا المحبب «حار جاف صيفا دفىء ممطر شتاء» لكن كعادة المصريين فى التغلب على الأسئلة الصعبة بالحلول المدهشة، ظهر فى الأفق فجأة «اختراع» قديم وجديد، اسمه يحظى بشهرة واسعة، وشكله يعرفه الجميع، لكنه غاب عن حياتنا العامة طويلا، وعدنا إليه مجبرين.
فجأة صار الكلسون بطلا لإعلانات الطرق، وفجأة صار الجميع مفتونا بقدرته الخارقة على بث الدف فى الأوصال، وفى ظل غياب الدفء الأسرى والحميمية العائلية كان الكلسون هو المعوض الفعلى عن الحنان المفتقد.
استعاد المصريون ذاكرة الدفء بالكلسون، كما عادوا إلى أصول الأزياء التقليدية وعاداتهم القديمة، وتحصيناتهم القديمة، أثبت المصريون أنهم أكثر تطورا من «الغرب» بإعادة اختراع هذا الرداء الداخلى العبقرى، الذى يسبق البناطيل الاسترتش كما يسبق البناطيل الفيزون والليكرا، ويضع نفسه على استحياء كواحد من أهم مسببات الدفء فى العصر الحديث، وإذا أضفنا إليه أخته «الجلابية البلدى» صار الأمر أروع، فإذا كان الكلسون هو حامى حمى الجسد المصرى فى الشتاء، فإن الجلابية البلدى بتصميمها الواسع الفضفاض وفتحاتها الكثيرة المتعددة هى «المكيف الطبيعى» فى الصيف.
ارتداه الشباب كما ارتداه الكبار، كما ترتديه النساء على استحياء، وفى الحقيقة فإننى أعتبر أن هذا الارتداد الاضطرارى «بشرة خير» تمنحنا فرصة لتأمل عبقرية المصرى التقليدى فى التعامل مع الطبيعية، فبـ «الكلسون» تغلب المصرى على تغيرات المناخ، وبه استطاع التحايل على الصقيع دون التخلى عن الحرية التى تمنحها الجلالبية.
قد ترى الأمر هينا أو سهلا وبسيطا، لكن فى الحقيقة فإن العودة إلى الكلسون هذه تشكل خطوة مهمة فى صلاحية عودة الأزياء التقليدية والحرف التقليدية والصناعات التقليدية، فدراسة الحضارة تعنى فى إحدى تعريفاتها «دراسة أشكال التفاعل الإنسانى مع البيئة المحيطة» وكلما كان هذا التفاعل جماليا ومفيدا صار الوجود أقوى، وفى الحقيقة فإن الأزياء التقليدية المصرية تعد «خامة بكر» للابتكارات فى مجال الأزياء، ولو اهتم بها صانعو الموضة ومبتكرو الأشكال الفنية على الملابس فمن الممكن أن تصبح بديلا وطنيا غنيا عن القميص والبنطلون والجاكت والكرافت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة