فى تصريح سابق لوزيرة السكان فى حكومة محلب هالة يوسف قالت: «إنه لا يمكن حصر أعداد المصريين فى الخارج»، مؤكدة أنها لا تعرف على وجه الدقة كم يبلغ عددهم، وبالتالى لا تعرف شيئا أيضا عن طبيعة إقامتهم هل هى دائمة أم مؤقتة! لكن على أى حال فإن عدد المصريين بالخارج يتراوح بحسب غالبية التقديرات ما بين 3 ملايين و5 ملايين، وللأسف فإنك لو سألت أى فرد فى مصر عن كفاءة العامل المصرى فى الداخل والخارج فسيؤكد لك أن العامل المصرى من أكفأ العمال فى الخارج، لكنه من أسوأ العمال فى الداخل، وهو أمر بحاجة إلى تفسير نفسى واجتماعى وتاريخى لهذه الظاهرة، فكيف يجيد المصريون فى الخارج ويهملون فى الداخل، وكيف يتحول المصرى إلى «أيقونة» العمل والإخلاص فى البلاد الغريبة، ثم يتحول إلى الكسل المطلق فى وطنه.
المربك أيضا هو أن هذا المصرى «فى الغربة» غالبا ما يقبل بالعديد من الأعمال الشاقة التى لا يقبل بها فى وطنه، والأغرب أنه يعرف تمام المعرفة أن عمله، أيا كان هذا العمل، شرف لا يجب أن يتبرأ منه، وأنه بمرور الأيام وإجادة الأعمال سيحصل على ما يصبو إليه من مكانة أو مال أو جاه أو منصب، لكن السؤال هنا هو لماذا لا يعمل المصرى فى وطنه مثلما يعمل فى الخارج؟ ولماذا يريد ملايين الشباب أن يهاجروا من مصر فى حين أنه من الأولى أن يهاجروا إلى مصر؟
نعم، بلدنا به العديد من المشكلات المزمنة، بدءا من القوانين الظالمة، وليس انتهاء بالفساد المنتشر فى كل شبر من أرض مصر، لكن مخطئ من يظن أن «الخارج» هو جنة الله على الأرض، وأنه خال من المشكلات والفساد، أو أن هذا «الخارج» خلق هكذا منظما ومثقفا ومتحضرا وراقيا وعادلا، على العكس تماما، هذا الخارج كان فى سالف الأيام أكثر بدائية مما نحن عليه الآن، وأكثر عشوائية مما نعانى منه الآن، لكن عقول أبنائه وسواعدهم هى التى ساعدته فى التخلص من البدائية والقضاء على العشوائية.
تلك ظاهرة تستحق الدراسة والبحث والتوصل إلى نتائج والعمل على معالجتها، فمصر الآن فى أمس الحاجة إلى عقول وسواعد أبنائها، ذلك لأن أى نهضة تعتمد على سواعد الغير هى نهضة زائفة، ولا يعنى وجود هذا العدد الكبير للمصريين فى الخارج، وتألق مئات الآلاف منهم فى المناصب القيادية فى شركاتهم وجامعاتهم ومواقعهم، سوى أن المصرى مازال متمتعا بالعديد من المهارات الجيدة المكتسبة، فلماذا إذن لا تظهر هذه المهارات فى الداخل وتظهر فى الخارج؟ ولماذا نتعامل مع وطننا بهذه الطريقة المخجلة، ثم نخجل من تردى أوضاعنا؟