يبقى فى السماء حيًا.. ويبقى فى التاريخ حيًا
اسأل نفسك وأنت تنظر إلى صورة الجندى البطل الشهيد محمد أيمن محمد السيد: «هو ابن مين فى شعب مصر» ؟
«أيمن» يجلس حاملًا سلاحه، وخلفه سيارة عسكرية، يرتدى زيه العسكرى، وملامح وجهه تجمع بين الجدية وطيبة أبناء البلد البسطاء الذين يواصلون التضحيات لأجل أن نعيش نحن هانئين مبسوطين، نضحك ونلهو، نذهب إلى أعمالنا، ونسير على طرقاتنا، فأمامنا أبطال يصدون الخطر، وخلفنا نفس الأبطال، وجميعهم يؤكدون قصة الجيش المصرى العظيم كوعاء للوطنية المصرية وحارسها الأمين الذى لم يعرف يومًا طائفية أو عرقية أو مذهبية، وإنما هو بوتقة ينصهر فيها كل المصريين على حد سواء.
«أيمن» هو جندى الصاعقة المصرية، عمره 20 عامًا، سارع باحتضان عنصر تكفيرى ضال يرتدى حزامًا ناسفًا لتفجير نفسه بمنطقة زارع الخير فى قرية المساعدة بمدينة العريش.. هو من قرية كفر سعد بمحافظة دمياط، وهو ابن الجيش المصرى البطل الذى يسهر على أمننا، فيحمى حدودنا كى ننام وراءها مطمئنين.
هو ابن رجل بسيط قال فور تلقيه خبر استشهاد ابنه، فلذة كبده: «عندى ولدين كمان ممكن أضحى بيهم عشان خاطر مصر»، فكتب بذلك سطرًا إضافيًا فى قصة هؤلاء الذين يعطون ولا يأخذون، هؤلاء الذين يحافظون على امتداد سلسال أصحاب التضحيات، فتنتقل من جيل إلى جيل، هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول الزعيم الوطنى مصطفى كامل: «ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط».
«أيمن» كتبت عنه «آية»، وهى ناشطة على الـ«فيس بوك»: «لم يكن من أثرياء مصر، ولكن كل قطرة دم وكل لحظة ألم تألمها أعظم من مليارات المتبرعين، رحمة الله عليه».. نعم لم يكن من أثرياء المال، فمثله لا يوجد رصيدًا له فى البنوك، لكنه أصبح من أثرياء تاريخ مصر، سيكون رصيده فى كتب التاريخ ضمن رصيد يجمع أسماء ذهبت إلى الاستشهاد دفاعًا عن الأرض، هكذا كان الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان الجيش المصرى، الذى استشهد فى غارة إسرائيلية غادرة وهو على جبهة القتال يوم 9 مارس 1969، والعقيد إبراهيم الرفاعى، ضابط الصاعقة التى ينتمى إليها البطل «أيمن»، «الرفاعى» أذل الإسرائيليين فى عشرات العمليات، واستشهد فى أثناء قتاله الجيش الإسرائيلى يوم 19 أكتوبر 1973.
كان «أيمن» ضمن القوة التى تداهم المكان «زارع الخير»، يركب سيارة «هامر» فى مقدمة القوة، سلاحه جاهز فى وضع الاقتحام، فهكذا يكون أبطالنا على الدوام، وفى الوقت نفسه كان يوجد عنصر تكفيرى فى «عشة» بالمنطقة، ولما شعر بدخول الجندى البطل إليه، بادر بتفجير نفسه بالحزام الناسف، فاحتضنه البطل أيمن، ليمتص هو التفجير الناتج من الحزام الناسف، ويتحول جسده الطاهر إلى أشلاء ودماء زكية روت الأرض.
كان نتيجة فعل «أيمن» أنه أنقذ رفاقه من موجة التفجير التى كانت ستحصد أرواحهم، وعددهم اثنان من الضباط، وستة جنود أو سبعة أو ثمانية أو عشرة أو أكثر، فالقيمة هنا ليست بالعدد، وإنما بالفعل الذى أقدم عليها بطلنا العظيم الذى لم يخضع للحظة تفكير فى أيهما يختار.. الحياة أم الموت.
الفعل الذى أقدم عليه «أيمن» هو اختياره الحر، وليس إملاء عليه، اختيار دفعه إليه إيمانه العظيم بوطنه، وإيمانه بأن حال استشهاده سيكون فى الجنة بين النبيين والصديقين، أما الفعل الذى أقدم عليه الإرهابى فهو اختيار دفعه إليه قلبه الأسود، وعقله المغلق، وجحوده الكبير، دفعه إليه ركوبه فى قافلة أشرار تتمسح بالدين، فتقتل باسمه الطيبيين النبلاء الأبرياء .
«أيمن» يبقى فى السماء حيًا، ويبقى فى التاريخ حيًا، ويبقى على الأرض سيرة يرويها جيل لجيل بعده.. هكذا يكون الشهداء، وهكذا تبقى مصر حية بفضل هؤلاء الذين يعطون ولا يأخذون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة