كثيرا ما أفكر بذات الآلية التى فكر بها شاعر مصر الراحل أمل دنقل حينما قال:
لا تسألْنى إن كانَ القُرآنْ
مخلوقاً.. أو أزَلىّ.
بل سَلْنى إن كان السُّلطانْ
لِصّاً.. أو نصفَ نبىّ!!
وعلى هذا المنوال أقول: لا تسألنى إن كان البرلمان المقبل سيئا أم جيدا، بل سلنى ماذا سيقدم للمصريين؟ وماذا ننتظر منه؟
لا أخفى عليك أننى غير متفائل كثيرا بهذا البرلمان، لكن السيف سبق العذل، وما علينا الآن إلا الانتظار والتمنى، وبالنسبة لى فإننى لا أتمنى من هذا البرلمان أو غيره سوى أن يمنح المصريين عهد أمان، ورعاية لمبدأ المواطنة قبل كل شىء، فليس هناك أقصى على المرء من أن يحيا فى وطنه وهو على يقين من أن حياته تروح هباء، وأن مجهوده يذهب للآخرين، وأن عرقه المالح الساقط على الجبين يتحول إلى ماء زلال هنيئا للناهبين، ولهذا فإنى لا أرجو من هذا البرلمان سوى أن يصدر تشريعا بإنشاء «مفوضية» لمكافحة الفساد، وقانونا تحت اسم «تكافؤ الفرص» فبهذين المشروعين يتحول المصرى من «أجير» إلى «صاحب بيت»، ومن هامش إلى متن، ومن يائس بائس إلى طامح حالم، فهل هذا الأمر كثير على المصريين؟
الجميع يتفق على أن الفساد استشرى من أكبر رأس فى مصر لأصغر رأس، والثورة التى قامت ضد الفساد المالى والإدارى أكلها الفساد الروحى والأخلاقى والتعليمى، فأصبح لدينا فسادان، واحد يأكل الجسد، والآخر ينعب فى الروح، وتتوه البوصلة بين هذا وذاك، ويتحول الذهب فى يدنا إلى تراب، ويتحول التراب فى يدنا إلى طين، ويتحول الطين فى يدنا إلى مستنقع، نغرق فيه فلا تعلو لنا جبهة، وتعلو جبهة الخذلان، نريدها مفوضية عليا، لا تتوه فيها القضايا لسنوات وسنوات، ولا يتساوى فيها من سرق بيضة مع من سرق جمل، نريدها مفوضية حاسمة رادعة عادلة مستقلة، نبنى قواعدها بتجرد ونزاهة.
بالتوازى مع هذه المفوضية يجب أيضا أن نسن قانونا جديدا تحت مسمى قانون تكافؤ الفرص، فالظلم أشرس كائن فى هدم الأوطان، وليس أقصى على الواحد من أن يرى غيره استولى على مكانه، لا لعلم عنده ولا لمهارة يتميز بها، أو لأنه ابن هذا أو قريب هذا أو تابع هذا أو راش هذا، فلا يخرب البلاد ويقهر العباد، سوى أن يوضع الإنسان غير المناسب فى المكانة التى لا يستحق.
أصدرت مصر مئات القرارات وسنت مئات القوانين، بعض هذه القوانين كان موجودا بالفعل، لكن حكوماتنا أصرت على إصداره مرة أخرى لا لشىء إلا لتعلن عن وجودها ووجوده، فلماذا نستكثر على المصريين أن يتم إصدار قانون يحفظ لهم آدميتهم ويصون لهم كرامتهم الوطنية فنعيش فى ظله آمنين؟