كانت أخبار تشكيل تحالف عسكرى إسلامى من 34 دولة لمحاربة الإرهاب تغطى صفحات الصحف وتتصدر نشرات الفضائيات، بينما لا يوجد خبر عما يحدث فى فلسطين المحتلة من إرهاب إسرائيلى ضد شعب أعزل يواصل نضاله لنيل حريته، ويصمم على جدارته بالحياة.
فى تفاصيل التحالف العسكرى الإسلامى، سنجد أننا أمام كيان يطرح أهدافه من خلال اسمه، فالاسم يمنحه صبغة دينية، مما يعيدنا إلى أجواء الحلف الذى تم تكوينه لمواجهة الاحتلال السوفيتى لأفغانستان فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى، والذى دعت إليه أمريكا وقادته دوليا، وكانت السعودية عموده الرئيسى إقليميا ومعها مصر بقيادة الرئيس السادات، وبمقتضى هذا التحالف دخل الإرهاب فى المنطقة طورا جديدا، وكانت مصر من أكبر الدول التى تضررت منه إقليميا، وكانت فلسطين هى القضية الأولى التى تحملت الضرر الكبير مما حدث، فبعد سنوات من كونها مصدر إلهام النضال العربى، أصبحت أفغانستان مصدر فخر لما سمى بـ«الجهاد الإسلامى».
حصدت أمريكا ثمار «حرب أفغانستان»، وتكبدنا نحن أعظم الخسائر، ويكفى أنها كانت الحرب التى قادتنا إلى إرهاب لا نزال نعانى منه، وبدلا من أن نستفيد مما حدث وندرك أن ما تدعو إليه أمريكا هو الشر بعينه لنا، شربنا من نفس الكأس حين أقدمت المنطقة على تحالف لضرب العراق واحتلاله أمريكيا وإسقاط الرئيس صدام حسين، وبينما تفاءل البعض وقتئذ من إمكانية حل للقضية الفلسطينية كنوع من المقايضة الأمريكية، لم يصمد هذا التفاؤل كثيرا، بل أصبحت القضية الفلسطينية كلها محل تشاؤم عربى فى مقابل عرس إسرائيلى يأتى من كم المكاسب اليومية التى تحققها الدولة العبرية نتيجة الخيبات العربية.
الحاصل من كل ما سبق أن ماضينا مع التحالفات التى تكون طرفها أمريكا بالغ السوء، والنتائج المترتبة عليها كارثية بمعنى الكلمة، ليس فى الماضى القريب وفقط، وإنما منذ خمسينيات القرن الماضى، حين قامت تركيا مرة، وباكستان مرة، وبمساندة أمريكية بريطانية بطرح أحلاف كان هدفها مقاومة التمدد الثورى المصرى بقيادة جمال عبدالناصر، وتعزيز تواجد إسرائيل وضمان بقائها، واللافت أننا أمام أوضاع حالية فيها خطر الإرهاب الذى لا بديل عن مقاومته، لكن فى نفس الوقت تعيش إسرائيل أجمل أيامها، فلا هى متهمة بالإرهاب دوليا وإقليميا، ولا هى كما كانت عدو طبيعى وأصيل للأنظمة العربية، ومن هنا يجد الشعب الفلسطينى نفسه فى العراء وحيدا فى مقاومته، وإصراره على الحياة.
قد يقول قائل: إن الحلف المطروح حاليا هو من بنات الأفكار العربية وليس من بنات الأفكار الأمريكية، وأن أمر تأسيسه يختلف عن حلف مقاومة الاحتلال السوفيتى لأفغانستان، وأنه يختلف عن حلف حرب العراق التى انتهت باحتلاله وإسقاط صدام حسين، غير أن الرد على ذلك يأتى من أنه لا يمكن فصل الحلف الجديد عما طالب به جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى قبل أيام من ضرورة تكوين قوات برية عربية للتدخل فى سوريا، وبالطبع فإن هذه الرغبة الأمريكية ظاهرها وباطنها عذاب للمنطقة، لأنها تهدف لإسقاط بشار الأسد، لتصبح سوريا بعدها كالعراق منذ احتلالها وإسقاط صدام حسين.
وبناء على ما سبق نحن أمام حلف تجلس أمريكا فى قلبه، بالرغم من مسماه «الإسلامى» الذى يحمل أبناء المنطقة إلى تأجيج الصراع فيما بينهم على أسس مذهبية وطائفية، وتلك هى أولويات إسرائيلية مؤكدة، وقد نرى فى هذا الترتيب إعطاء شرعية لبعض التنظيمات الإرهابية التى تقاتل فى سوريا مثل «جبهة النصرة» التى تراها أطرافا عربية بعيون غير التى ترى بها «داعش» وتعتبرها «معارضة معتدلة».
الحلف الجديد هو لسوريا، أما إسرائيل فلها منه كل تحية وسلام
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة