فى حوارى مع الكاتب والروائى اللبنانى حسن داود بمناسبة حصوله على جائزة نجيب محفوظ هذا العام من الجامعة الأمريكية فى القاهرة، قال بـ«إن اللبنانيين لا يعرفون كيف يحبون وطنهم»، وهذه الجملة تحتاج لكثير من التفكير والتحليل للوصول إلى الخطر الكامن فيها ومعرفة أسبابها، لأن هذه الجملة نتيجة وليست سببا، ولعل الملاحظ للطائفية الغالبة على لبنان وتراجع مصلحة الوطن يفهم الألم الذى كان مسيطرا على «داود» عندما قال هذه الجملة المرعبة.
والطائفية تأتى من إحساسنا بالغربة التى أصبحت جانبا أصيلا فى بلادنا العربية على المستوى الواقعى، فالعرب لهم تاريخ من التشرد والشتات الذى ليس له آخر، ففى زمن الخلافة العثمانية وسيطرتها على البلاد العربية كانت الشام من أكثر البلاد التى تعرضت لاضطهاد رجال هذه الخلافة أو أتباعها، وكان المسيحيون هم الضحية الأكبر، حتى أنه قد هج عدد كبير من العائلات المسيحية الكبرى إلى أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية ومنهم من لم يستطع الابتعاد كثيرا فجاء إلى مصر، بعدها قام الاحتلال الأوروبى بتقسيم هذه البلاد وأعلوا فيها نبرة الطائفية حتى صارت غالبة ومتحكمة فى طرق التفكير، وعاد إلى هذه الأرض من أبنائها من عاد وظل خارجها من ظل، لكن طريقة التفكير القائمة على الشتات ظلت باقية وظل تعبيرهم عن الحب ناقصا لشىء ما.
وفى فلسطين ومنذ تكالبت قوى العالم الظالمة على نزع الأرض العربية ومنحها لليهود الصهاينة الغزاة، ونحن جميعا نعيش حالة المهجرين الذين ولوا وجوههم غصبا عن إرادتهم إلى خارج وطنهم، وما زالوا على أمل العودة، يخشون أن ينسى أبناؤهم رائحة الأرض ويتيهون فى بلاد الناس الواسعة.
أما العراق وبعدما أصابه من كوارث لا آخر لها ستجد كثيرا من أبنائه مشردين، فقدوا إحساسهم بالأمان فى وطنهم فحملوا خفافهم وهجوا محملين بوجع ترك الوطن فى أزمته لكن ما باليد حيلة، وبالتالى هناك جيل كامل من العراقيين ولدوا ونشأوا وسيكبرون فى بلاد الشتات، وستنقطع علاقتهم بالعراق على الأقل عاطفيا.
أما الحلقة الأحدث فى سلسلة الشتات هذه فهو ما يحدث للشعب السورى الشقيق، لذا لا يجب أن نفرح بأن بلاد العالم فتحت أرضها لهم، ولا نحزن لأن بلادا أخرى أغلقتها، هذه ليست قضيتهم، إنها قضيتنا نحن، لو عاش الشعب السورى المشرد فى البلاد الغريبة سوف يخفت حب الوطن من داخله، وسيخرج جيل يحمل أوصافا جديدة ليس منها الانتماء للأرض وسيصبح الشتات العربى بسبب كثرته وصفا عاديا سينتهى فقط بانقراض العرب.
هذا الشتات بالتأكيد سينتج ثقافة خائفة مرتعبة، قائمة على التشاؤم والحزن والضياع، ويصبح لدينا كتابا لا يفعلون شيئا سوى أن يكتبوا عن الحنين الذى يسكنهم والذى سيخفت مع الزمن ولا يشعر به أبناؤهم، فحب الوطن معايشة وتواصل وليس فرضا مفروضا.