إيطاليا تنقذ 8 آلاف متشرد
كلنا نتذكر جيدا كم شعرنا بالحزن وكثير من الضياع، منذ عامين، عندما فاجأنا خبر وفاة الكاتب والفنان التشكيلى السودانى محمد حسين بهنس، على أرصفة القاهرة، بسبب البرد، واستغرب بعضنا أن إنسانا ساءت ظروفه ولم يعد أمامه سوى الموت، وتساءلنا كيف فى ظل مجتمع «إنسانى» يموت واحد منا بسبب البرد فى شوارع مصر الدافئة بمشاعر أهلها، يحدث ذلك رغم التعاطف الذى نبديه مع المشردين، لكنه تعاطف غير منظم ولا يحمل حلا، ولا يقدم نتيجة، إذن هو بلا فائدة، وقد خلق الله المناسبات لنأخذ منها العظة والعبرة، وكى نقف مع أنفسنا موقفا نحمد الله عليه، وهذه الأيام تمر احتفالات المولد النبوى الشريف، كما تمر أعياد الكريسماس، وهى أيام صالحة للبحث عن الجوانب الإنسانية فى أرواحنا.
ومنذ أيام قليلة صدر فى إيطاليا كتاب جديد موجه للمشردين عنوانه «روما - أين تأكل وتنام وتغتسل؟»، هذا الكتاب صغير الحجم كبير الفائدة يساعد الفقراء الذين يعيشون فى شوارع العاصمة الإيطالية على التأقلم، وتخطى مصاعب الحياة اليومية التى تواجههم كل يوم.
وأطلق أهالى روما على الكتيب الصادر فى 250 صفحة اسم «دليل ميشلان للمعدمين»، وطرحت النسخة الجديدة من الدليل، الثلاثاء، لجذب الانتباه إلى المشردين بمناسبة حلول عيد الميلاد، ويشمل الدليل عناوين مراكز للخدمة الطبية، و40 مركزا لتقديم الحساء، و40 مركزا لتقديم الطعام، و45 موقعا للنوم، و17 مركزا للاغتسال وقص الشعر وتهذيب اللحية، وتقدر سانت إيجيديو، وهى مؤسسة كاثوليكية خيرية توزع الدليل، عدد المشردين فى روما بنحو 8000 شخص، معظمهم من الأجانب، لكن بينهم عددا متزايدا من الإيطاليين.
هذه اللفتة الإنسانية صالحة تماما للتوقف أمامها فى هذه الأيام المباركة وتأملها، بل وتقليدها من زوايا متعددة، الزاوية الأولى أن نعلن أن مساعدة هؤلاء الفقراء والمشردين واجب علينا وليست منحة، لأنه بمساعدتهم سنساعد مجتمعنا وأنفسنا، الزاوية الثانية أن تعلن الجمعيات الخيرية عن مساعدة هؤلاء المشردين وتحدد الأماكن التى يمكن أن يتلقوا فيها هذه المساعدة، والجانب الثالث أن نعلم هؤلاء الفقراء بهذه الأماكن، وتصبح متاحة للعامة حتى يستطيعوا المساعدة، وأن نطبع عناوين هذه الأماكن فى «كتيب» صغير، وتقوم مؤسسات الدولة بالمساعدة قدر المستطاع حتى تختفى ظاهرة التشرد من الشوارع بطريقة إيجابية، وكل ذلك سينعكس علينا بالخير، خاصة أن مجتمعا مثل مصر يكثر فيه عدد الفقراء والمشردين فى الشوارع، حتى أنهم يمثلون طائفة من طوائف مدينة كبيرة مثل القاهرة.
وعلينا قبل أن ننقذهم أن ننقذ أنفسنا، فالانتماء للإنسانية والدفاع عنها قدر المستطاع هو دليل الصحة النفسية، وفى العالم المملوء بالخوف الذى نعيش فيه أفضل حسنة يفعلها الإنسان أن يبث الطمأنينة فى قلب إنسان خائف، ويجعله يشعر نوعا ما بالأمان، وأن يمد له يد العون لمساعدته والترفق به.