يسار إسبانيا واليونان.. ويسارنا!
بالمناسبة فإن الصراع الدائر لدينا حول السياسة والسلطة وأحقية الأجيال الجديدة وسعيها لاقتسام السلطة أو انتزاعها، مطروح فى أوروبا بشكل آخر، تعكسه نتائج الانتخابات فى إسبانيا، وقبلها اليونان. بل إن هذه التيارات والأحزاب اليسارية تأثرت بتحركات الربيع العربى لدينا، لكنها خاضت الانتخابات فى البلديات والنقابات والمجالس التشريعية. بينما ما يزال الجدل داخل القطاعات الشابة يدور بين المشاركة، والمقاطعة. حسم شباب أحزاب مثل مستقبل وطن أو غيرها الجدل وخاضوا الانتخابات، فقد واجهوا ومازالوا انتقادات الحركات التى تفضل البقاء على شواطئ الغضب بلا مشاركة. وجزء من الانتقادات أن التيارات الشابة مصنوعة وليست أصلية.
الانتخابات فى إسبانيا وقبلها اليونان أو فرنسا وباقى أوروبا، تشير إلى محاولات أجيال جديدة لإنهاء دور النخبة التقليدية ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتستقطب أجيالا كانت تعطى ظهرها للسياسة. اليسار لا يلتزم بالأيديولوجيات الماركسية التقليدية، وأقرب لليسار الجديد فى السبعينيات، ضد توحش الرأسمالية وتهديد البيئة، وضد التقشف، يطالب بإجراءات اجتماعية من شأنها أن توفر أكثر للطبقات الوسطى والعمال لايتحمل كلفتها الفقراء. حزب «بوديموس»، بزعامة بابلو إجليسياس الذى حل ثالثا فى الانتخابات الإسبانية، ووعد بإجراءات اجتماعية للمهمشين. قبلها فازت نفس القوى فى الانتخابات البلدية ومواقع عمد المدن والبلديات.
لكن فوز هؤلاء فى الانتخابات لا يعنى - من وجهة نظر المحللين التقليديين - النجاح، وحتى الآن هناك رهانات على أن اليسار اليونانى الذى فاز بالانتخابات فاز برهانات شعبية على أفكار اقتصادية شعبوية، خاصة أن هذه السياسات تصطدم برجال المال والأعمال ممن يمثلون قوة اقتصادية وسياسية وبالطبع يقاومون سياسات تضر بمصالحهم.
ربما لهذا تبدى الصحافة الأوروبية مخاوف من زحف اليسار واليمين، وتراهن على فشله لكونه يطرح خطابا شعبويا لا يفيد فى مواجهة الأزمات الاقتصادية، بينما اليسار الجديد يرى فقدان الأحزاب التقليدية لقدراتها على مواجهة تحديات العصر الحديث.
حزب «بوديموس»، أنهى صعود بوديموس التداول بين الحزب الشعبى والحزب الاشتراكى. ويطرح مع الحزب الليبرالى «سيودادانوس» ما يسمى بـ«تجديد الديمقراطية»، قبلها فاز حزب سيريزا، بزعامة أليكسيس تسيبراس فى اليونان.
إذا كان هذا هو الواقع فى إسبانيا واليونان، وأوروبا، فكيف هو هنا فى مصر. التى تشهد جدلا من نوع مختلف، عن أهمية المشاركة، أو نتائج انتخابات، لاتبدو معبرة عن «تمثيل المصالح»، وهو ما يبدو غائبا حتى الآن فى تشكيلة مجلس النواب، حيث الغلبة لرجال الأعمال، والاقتصاد الحر، ويغيب اليسار ببرامجه الاجتماعية والاقتصادية. وهو خلل أكبر من مجرد تأييد ومعارضة. لأنه يتعلق بمدى توزان المصالح الاجتماعية والاقتصادية، لنبقى فى حالة سياسية تفتقد التوازن، بسبب مقاطعة من يطالبون ومشاركة من يسيطرون.