مرات كثيرة قلنا إن أدوات التواصل الاجتماعى من فيس بوك وتويتر ويوتيوب وملحقاتها ومتشابهاتها، هى فى النهاية أدوات، يمكن استخدامها فى الخير أو فى الشر، تماما مثلما يمكن استعمال السكاكين فى القتل أو إعداد الطعام، وأن الناس على شبكات التواصل الاجتماعى ليسوا كلهم ملائكة ولا كلهم شياطين، منهم الطيب والخبيث والعميق والتافه. الأغلب أن أى مكان يتزاحم فيه البشر بأنواعهم، لا يكون مجالا لـ«الاستعماق» بقدر ما يصبح طريقًا للتسلية وتمضية الوقت.
أما المناسبة هى الضجيج الذى ينطلق على مواقع التواصل، ويرى البعض أنها هى التى تصنع التغيير، وتقود الرأى العام، بينما يرى آخرون أنها مجال للنميمة والكذب ونشر الشائعات وإطلاق الحملات المغرضة، ولا يمر يوم من غير شائعة أو نميمة أو خبر موت كاذب عن نجم أو فنان أو سياسى. لكن وللحق فإن أدوات التواصل كثيرا ما تنصب حملات ناجحة لإلقاء الضوء على موهوب، أو الدفاع عن مظلوم، أو السخرية من تافهين ومدعين ومنافقين وطبالين، أو مواجهة كذابين.. كله موجود ومتوفر.
وفى كتابى «عولم خانة» رصدت مبكرا جدا هذه الأدوار المزدوجة التى تلعبها أدوات التواصل، بل التكنولوجيا كلها، وتجعل من الصعب اتخاذ موقف مطلق من أدوات تطور نفسها وتقوم على الجدل، وتسبق كل من يستخدمها، وأعتقد دائما أن من يريد الاستفادة والحوار يمكن أن يجدها فى مئات المواقع التى تقدم الكتب والموسيقى والأفلام والثقافة والتعليم، واللقطات الإنسانية والمبادئ، مقابل مواقع أخرى تروج للإباحية والسرقة وتمارس النصب والتسول والخداع، وحتى فيروسات الإنترنت هناك من يصنعها ويرسلها ليدمر أجهزة الناس أو يخترقها وهو لا يعرفهم. ومن المفارقات فى التسعينيات عندما بدأت شبكات التواصل، رأينا مشايخ كانوا ينشرون فتاوى تحريم الإنترنت، وينشرون التحريم على شبكات الإنترنت نفسها، وهناك من حرم، ولا يزال، فيس بوك أو يوتيوب، وينشر الفتاوى على ذات نفس هذه المواقع، وهو نوع من الديمقراطية غير مسبوق.
الأهم فى كل هذا العالم المعقد أن هناك من يتعاملون باحتراف، ومن يكتفون بالتصفح ويصبحون مجرد مستخدمين أو جمهور يرددون ما يجدونه بلا تفكير أو مناقشة، وهؤلاء غالبا عرضة للشائعات أو الأخبار والتقارير المضروبة، ويتحولون هم أنفسهم إلى قطعان مفعول بها.
قليلون هم من يمكنهم أن يناقشوا أو يسألوا أو يبحثوا عن فائدة، لأن المواقع والأدوات هى مجرد وسيلة، والمستخدم يمتلك وقته الذى يساوى المال، فهو إما يشترى طعاما أو زهورا أو سلاحا أو أشباحا. وإن كان من الصعب أن يحتفظ الواحد بعقله وسط هذا الزحام، وعلى كل واحد أن يختار النوم على الجنب الذى يريحه والفيس الذى يعجبه، فهو عالم يصنع نجومًا وأبطالًا وضحايا.