هل تريد تركيا أن تكون وصية على غزة؟.. لا يمكن النظر للمفاوضات الجارية حالياً بين إسرائيل وتركيا لتطبيع العلاقات بينهما من جديد بمعزل عن فكرة عودة الخلافة العثمانية التى تراود رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، لذلك فهو دوماً يحاول إقحام الملفات العربية فى علاقاته الخارجية حتى يؤمن لنفسه موطئ قدم فى البلدان العربية، خاصة بعدما انكشف أمره ودعمه اللامحدود لنظام الإخوان المسلمين الذى كان يعتبره السلم الذى سيصعد من خلاله إلى هدفه، فدعم إخوان مصر وسوريا وليبيا واليمن، وكان يأمل فى أن يكون لهم الحكم المطلق فى البلدان الأربعة لفرض هيمنته.
اليوم يحاول أردوغان أن يلعب على العاطفة العربية والإسلامية مجدداً أو بمعنى آخر «يدغدغ» مشاعر الجميع، بالحديث عن شروط التطبيع مع إسرائيل، من بينها رفع الحصار عن قطاع غزة.
وعلى الرغم من أن القيادة التركية تسير فى التفاوض مع إسرائيل الذى انطلق قبل أسبوع بين مستشار الخارجية التركية فريدون سينيرلى أوغلو وممثل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، ورئيس الموساد يوسى كوهين فى مدينة زيورخ السويسرية، فإنهم يحاولون تحقيق استفادة لهم ولوضعهم فى الإقليم المضطرب والذى يشهد الآن حالة من عدم الرغبة فى التعاون مع تركيا أردوغان، بسبب أفكاره وسياساته التوسعية التى لا تحترم سيادة الدول على أراضيها، مثلما فعل مؤخراً فى العراق حينما رفض طلب الحكومة العراقية سحب القوات التركية من داخل الأراضى العراقية، ولم يفعل ذلك إلا بعدما تلقى أمراً أمريكياً بالانسحاب.
الحادث الآن أن تركيا تسير فى التفاوض مع إسرائيل، وفقاً لخارطة تشمل أن يقوم الجانب الإسرائيلى بدفع تعويضات بقيمة 20 مليون دولار أمريكى، لذوى الضحايا الأتراك فى حادث السفينة «مرمرة» وإعادة افتتاح السفارات بين البلدين، كما سيقوم البرلمان التركى باستصدار قرار يقضى بسحب جميع الدعاوى القضائية ضد الجنود الإسرائيليين، فضلا عن قيام تركيا باستبعاد القيادى البارز فى حركة حماس «صالح العارورى»، خارج حدودها، وتقييد نشاطات الحركة داخل تركيا، وهو ما حدث خلال الأيام الماضية، حينما أبعدت تركيا العارورى وأستقبلت بعدها رئيس المكتب السياسى لحماس خالد مشعل لتبلغه توجه أنقرة الجديد تجاه الحركة وحتى يعيد ترتيب نفسه، خاصة أن مشعل كان يعتمد كثيراً على الدعم التركى، الذى انزوى حالياً بسبب الرغبة فى العودة لأحضان إسرائيل.
الجديد فى الأمر الآن هو ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومنها صحيفة «إسرائيل اليوم» المحسوبة على حزب الليكود ونتنياهو شخصيا بأن تركيا طالبت إسرائيل بمنحها موطئ قدم فى إدارة قطاع غزة مقابل تطبيع العلاقات بينهما، لافتة إلى أن تركيا قد سبق أن طلبت ذلك خلال الحرب الأخيرة على غزة «الجرف الصامد» لكن نتنياهو اتخذ حينها قرارا استراتيجيا وفضل البوابة المصرية ورفض تدخل تركيا، وهو ما يؤكد أن أردوغان يحاول التسرب مرة أخرى إلى العرب، لكن هذه المرة من بوابة غزة التى يسعى لتكون تحت وصايته، حتى تكون نواة لعودة الخلافة العثمانية.
لماذا تتحرك تركيا تجاه غزة؟.. الإجابة واضحة، فهى تعتبرها النواة الأساسية لعودة الانطلاقة التركية فى المنطقة، ولكى توفر لها مكانا قويا فى القضية الفلسطينية، والأهم من ذلك أن تكون تركيا مسيطرة على القطاع، بما يمكنها من مناكفة مصر فى الوقت الذى تريده، وبالتالى تكون قريبة من تهديد الأمن القومى المصرى بشكل مباشر، خاصة أن وسائلها غير المباشرة فشلت فى زعزعة استقرار مصر طيلة العامين الماضيين، وفشلت العمليات الإرهابية التى تجرى بدعم وترتيب تركى - قطرى فى تهديد الأمن الداخلى لمصر، فتحاول أنقرة السيطرة على غزة لكى تكون نقطة انطلاق فى مواجهة مصر.
والمؤشرات كلها تسير فى أن إسرائيل سترفض أو بمعنى أدق رفضت المقترح التركى بأن يكون لها وجود فى القطاع، لأنها تدرك حقيقة الأهداف التركية، كما أن حركة حماس لن تكون بالغباء الذى سيجعلها توافق على الطلب التركى، وإلا فإنها تكون قد أجهزت على نفسها، لأنها فى هذه الحالة ستستعدى على الأقل مصر، الدولة الأكثر قرباً وعلماً وتأثراً وتأثيراً فى القضية الفلسطينية، وستكون حماس فى هذه الحالة وكأنها أعلنت الحرب على مصر، وهو ما لن تقبل به القاهرة مطلقاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة